«ساند».. هل حقا مساند؟
المثل الشعبي القائل، (انفخ يا شريم، قال ما من برطم)، يتم تداوله هذه الأيام بكثرة بسبب نظام التأمين ضد التعطل عن العمل "ساند"، الذي ملأ الفضاء ضجيجا وصخبا. ولو علمت "التأمينات" بهذا الضجيج، لربما تأنت قليلا في طرحه. ومع هذا، فهي مصرة على تنفيذه، فقد أصبح واقعا ومسلما به ولا رجعة فيه كما أفاد مسؤولو التأمينات الاجتماعية مؤخرا. ولكن، لماذا لا نفكر بصوت مسموع حول "ساند"؟
"ساند" اسم فاعل من أربعة أحرف، جاء من مصدر "سند" في "معجم المعاني الجامع"، ويعني: سنَّدَ يسنِّد، تسنيدا، فهو مُسنِّد، والمفعول مُسَنَّد، وسنَّد شيئا: سنَده، وثّقه، دعَّمه، جعل له عِمادا يرتكز عليه (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
لست في استهلالية مقالي هذا لأعطي "درسا نحويا" للقراء الكرام، لكننا أمام هذا النظام الذي أثار ضجة في الشأن المحلي، ونريد أن نفسر كنهه لنستطيع تحديد موقفنا منه. النظام اسمه "ساند"، وتفسير ذلك لغويا كما تقدم يشعر بالارتياح، ولكن هل "الاسم على المسمى"؟ وهل ينبغي الوقوف مع "القلة" التي تنظر لنصف الكأس الممتلئ، وتفسر النظام من وجهة نظر إيجابية؟ أم نقف مع "الغالبية" ذات الصوت المرتفع والمعارضة للنظام، ولسان حالها يقول، (يا من شراله من حلاله "ساند")؟!
في الحقيقة، جاءت فكرة "ساند" لتحل مشكلة مزمنة، وهي انقطاع وتسرب العاملين في القطاع الخاص، من خلال طمأنة وتشجيع الشباب السعودي الذي يتخوف من الانخراط في العمل في هذا القطاع، لافتقاره لجزئية "الأمان الوظيفي"، كما يهدف إلى تحفيز منشآت القطاع الخاص للمحافظة على موظفيها على اعتبار أنها مشاركة في التأمين على انقطاعهم بنسبة 1 في المائة، ويتم من خلال "ساند" تقديم السند المادي والتدريبي للمنقطعين لحين إيجاد البديل، وذلك وفق مجموعة "شروط" تنظم الاستحقاق الأولي وآلية صرف المكافأة، وهي موجودة على موقع "وزارة العمل". ولكن، لماذا تضجر الناس وأولهم مستفيدو "ساند" من تطبيقه؟ ألا يفترض بهم أن يفخروا به ويشكروا "وزارة العمل" على اهتمامها بشؤونهم؟ ألا يفسر هذا "التضجر" بأنه عدم ثقة في المشروع والقائمين عليه؟
في الغالب ربما تكون الإجابة "نعم"، فكثير مما حفلت به ردود أفعال الناس كانت معارضة بشدة لـ "ساند"، وقد أرجعوا ذلك لعوامل عدة، أبرزها صعوبة "شروط الاستحقاق" وعدم دقتها بما يكفي لعدالة التطبيق. ولو تجاوزنا الشروط إلى فكرة "تمويل البرنامج" من الأساس، سنجد أن النظام يمس دخول الموظفين، فنحن أمام استقطاعٍ صريحٍ من رواتبهم، التي هي في الأصل لا تتجاوز الخمسة آلاف ريال (متوسط رواتب السعوديين في القطاع الخاص)، بينما هناك احتمالية ضئيلة لاستفادة هذا الممول وهو الموظف من "ساند". وبالعودة إلى "شروط الاستحقاق"، نجد أن من ضمنها أن يكون الفصل "تعسفيا" -بمعنى ألا يتم ترك الوظيفة بقرار من الموظف- ولكن ينبغي إدراك أن "أصحاب الأعمال" هم الطرف الأقوى في هذه المعادلة، فهم على سبيل المثال لديهم "إدارة قانونية"، وبالتالي لا يعجزون عن إلقاء كامل المسؤولية على "الموظف" الذي هو الحلقة الأضعف.
كل هذه العوامل وغيرها أوجدت تذمرا وعدم قبولٍ لدى الجميع، مما دل على قصور في آليات البرنامج وتوقيته، علاوة على قصور في التوعية للبرنامج، كما نوه إلى ذلك وزير العمل د.عادل فقيه.
ولعلي أتحدث قليلا من منطلق "علم الإدارة". حيث من المفترض قبل إقرار أي برنامج، أن يتم تقييمه وفق إحدى المنهجيات العلمية ("التكلفة/ العائد" أو "التكلفة/ الفاعلية")، لدراسة آثاره ومنافعه المباشرة وغير المباشرة، الملموسة منها وغير الملموسة، للوصول إلى تقييم شامل ودقيق، وللخروج بقرار يأخذ في الحسبان كل الأبعاد والنتائج المحتملة، وفق معايير للتقويم أهمها "الجهد والنوعية والفاعلية والكفاءة والعدالة والتأثير". بل يذهب خبراء الإدارة إلى ما هو أبعد من ذلك وهو "تحديد التوقيت المناسب" لطرح البرامج الجديدة، فلكل وقت ما يناسبه، والتوقيت عنصر مهم في اتخاذ القرارات. ولا أعلم إن كان "ساند" قد مر بهذه العملية، أم لا؟
ما نأمله في الختام من "وزارة العمل والتأمينات الاجتماعية"، أن يصدرا قرارا شجاعا بتأجيل تطبيق قرار "ساند"، لمراجعته ودراسة كافة الأطروحات التي تم طرحها من قِبل "المختصين"، والمعنيين بتطبيق القرار. بحيث يعاد تقييم شروط الاستحقاق وآلية التطبيق والتمويل، مع ضرورة إكسابه القيمة المعنوية بالتوعية والإقناع قبل كل شيء. حرصا على تحقيق الهدف السامي الذي انطلق منه "ساند"، وذلك بتعظيم العوائد والمنافع المتوقعة منه بأقل التكاليف على الموظف والمجتمع.