ركوب الموج (4) : "العولمة" في مواجهة مع "الموطنة"..!

أكدت غير مرة أن مراحل التدرج في تكوين المجتمعات هو "قانون طبيعي"، كما أشرت في المقالة السابقة إلى أن الجهات التنفيذية المعنية قد حققت إنجازاً معتبراً فيما يتعلق بموجة "العولمة"، أما مناسبة هذه المقالة فهو إيضاح أن موجة "العولمة"، بخلاف موجة "التخصيص" وموجة "التنمية المستدامة" وموجة "الاقتصاد المعرفي"، هي مرحلة حتمية في إطار "القانون الطبيعي" لمراحل التدرج في تكوين المجتمعات، أما الموجات الأخرى فهي فروع وتفصيلات ضمن موجة "العولمة"، وينبغي أن يُفهم الأمر على هذا "الأساس العلمي"، وأن "العولمة" ليست موجة "عابرة" كالأخريات، وأنه ينبغي استثمارها لصالح "موطنة" الانتاج وترسيخ ممارسات "البيع" المحمودة.

لعل الإنجاز "التنموي" الأهم.. بل والأهم بمراحل مقارنة بما تحقق ويتحقق منذ بداية الألفية الحالية، والذي تم بمجهود "كوكبة" من المواطنين الذين مثلوا جهات تنفيذية عديدة ويستحقون أن يُطلق عليهم صفة "النخبة"، هو استحقاق صفة "العضوية" في منظمة التجارة العالمية بكل جدارة والمشاركة في المؤتمر الوزاري السادس المنعقد في هونغ كونغ عام (2005 م) بعضوية كاملة، ليس ذلك فحسب بل أن الإنجاز تم من المسار الأكثر "وعورة"، بعد أن كانت الظروف مهيأة لتحقيق الإنجاز بتكاليف "أقل" بكثير وجهود "أسهل" بكثير وإلتزامات "أخف" بكثير، ولكن أولئك "النخبة" قد جنوا فوائد التجربة والممارسة العملية.

والجانب الفارق، كما يبدو أنه الحال دائماً في كل منجزٍ معتبر، هو، أولاً.. وألفاً، الدعم الشخصي لولي الأمر، وتالياً، إشراف لجنة وزارية ليتها تتولى شئون التنمية كافة، ثم الفريق التقاوضي الذي استشعر حجم المسئولية، واحتوى كل التحديات "الإجرائية" وتجاوزها، فكأنما كان الأمر بالنسبة للمسئول عن إنجاز هذا "الملف" كحال من في وضع: "أكون أو لا أكون".

لست بحاجة إلى "تمجيد" المنجز فهو "أبلغ" إنباء من "الكتب"، ولكن لدي تساؤلان: أولهما سأترك الإجابة عليه للمعنيين بالأمر، أين هؤلاء "النخبة"؟ أما ثانيهما، فيرتبط بما الذي تم بشأن "إزالة الحواجز" بين اقتصاديات الدول المتقدمة (أو "مجموعة الثمان" - G8) والاقتصاديات الخمس الناشطة المضافة "لمجموعة الثمان" (G8+5) والاقتصاديات المضافة لهما فيما يُعرف "بمجموعة العشرين" (G20)، والذي تحقق في اللحظات "المختطفة" للمؤتمر الوزاري التاسع لمنظمة التجارة العالمية؟

لن أضيف كثيراً لما كُتب ويُكتب في شأن منظمة التجارة العالمية، ولكني سألخص محطاتها الرئيسية ووضعنا فيها، فقد بدأت "جولة الأروغواي" لبلورة ما تم التوصل إليه حيال مفاوضات "اتفاقية التعرفة الجمركية - GAT"، واستمرت مفاوضات تلك الجولة ما بين عامي (1986 – 1994 م) إلى أن تم توقيع الاتفاقية في "مؤتمر مراكش" وكذلك تأسيس المنظة بتاريخ 1 يناير 1995 م وتدشين مفاوضات "الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات – GATS"، كان ممثلي المملكة متواجدين في الجولة إلا أنه لم يكن قد حُسم أمر الانضمام، وفي ضوء نتائج مؤتمر مراكش تم عقد (3) مؤتمرات وزارية للمنظمة، التي تواجد فيها ممثلي المملكة (بصفة مراقب)، وذلك كالآتي: الأول، سنغافورة (9 - 13 ديسمبر 1998 م)، الثاني، جنيف (18 – 20 مايو 1998 م)، والثالث، سياتل (30 نوفمبر – 3 ديسمبر 1999 م).

تلا ذلك مفاوضات "جولة الدوحة" خلال المؤتمر الوزاري الرابع المنعقد في الفترة (9 – 14 نوفمبر 2001 م)، فالخامس في كانكون (11 – 14 سبتمبر 2003 م)، فالسادس في هونغ كونغ في الفترة (13 – 18 ديسمبر 2005 م)، فالسابع في جنيف في الفترة (30 نوفمبر – 2 ديسمبر 2009 م)، فالثامن أيضاً في جنيف في الفترة (15 – 17 ديسمبر 2011 م)، وأخيراً في بالي بأندونيسيا في الفترة (3 – 6 ديسمبر 2013 م) التي تحقق خلالها تجسير الفجوة بين ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلفائهما من جهة وبقية الدول الأعضاء في المنظمة من جهة أخرى.

يُلاحظ مما سبق صعوبة المفاوضات سواء في "جولة الأرورغواي" وما قبلها أو "جولة الدوحة" وتداعياتها، وتم الخروج من "الطريق المسدود" بالتركيز في الجولة الأولى على توثيق ما تم الاتفاق عليه والبناء على ذلك خلال الجولة الثانية، والتي لم يكن ليتم الخروج خلالها من "الطريق المسدود" لولا أنه تم التمشي مع العلم المبني على "القانون الطبيعي" لتطور المجتمعات، وما يدل على شدة صعوبة المفاوضات هو تكرر عقد المؤتمر الوزاري مرتين متتاليتن في جنيف (مقر المنظمة)، وذلك بعد إنقطاع ما بين عامي (2005 م) إلى (2009 م) على غير المتبع نهاية كل سنة فردية.

ومع كامل التقدير لما تم إنجازه فيما يتعلق بالمساهمات والوكلاء وما تم الوعد به بشأن مكاتب العقار وسوى ذلك مما يرتبط بالتعامل الخارجي والجوانب العامة لمجتمع الأعمال، أعود هنا للتساؤل: أين الجهة المعنية عن تنفيذ الأنظمة واللوائح التي كانت من أهم نواتج التجربة الشاقة التي خاضتها تلك "النخبة" مما يمس الإنسان العادي في السوق والمركز التجاري وما في حكمهما؟

إن ما يُعانيه المشترين من "تعسف" كثير من البائعين (سواء المرخصين منهم أو الذين لا يُعرف كيف يُسمح لهم بالعمل من غير المرخصين)، ومماطلتهم في "رد" التالف "وتغيير" المعيب "وفرض" الشروط من جانب من بيده كل أوراق التفاوض "والمساومة" من موقف القوي، وعلى المتضرر إما القبول بما يُفرض أو العزم على بذل الجهد وما يفوق تكلفة الضرر في دوامة من الإجراءات التي قد يصل في نهايتها لشئ من باب تطييب الخواطر أو لما لا يتعدى تسجيل الاحتجاج أو قد لا يصل أبداً.

وخلاصة القول.. وهنا نأتي إلى بيت القصيد، فموجة "العولمة" هي واحدة من تلكم اللائي أُجبرنا على التعمق في كيف تم الوصول إليها، ومن خلال التجربة الصعبة تم معرفة طبيعتها وحقيقتها، وبالتالي تحقق النجاح في ركوبها، وأخشى ما أخشاه من "التراخى" وفقد "الزخم" عند هذا الحد، فتحقق منجز إنضمام لمنظمة التجارة العالمية ما هو إلا البداية، وإلا فستضيع الفوائد التي يُمكن جنيها من تلك التجربة العملية الناجحة، أو أن يكون تنفيذها على حساب "موطنة" الانتاج وترسيخ ممارسات "البيع" المحمودة، أو "التساهل" فيما هو حق مشروع لنا في إطار "المنظمة"، وقد تكون لي عودة لهذه الموجة في مقال آخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي