المراسيم الملكية .. إعادة التجديد في إدارة الحكم

عندما كنت طالبا في الدراسات العليا في القانون الدستوري الإداري وأنظمة الحكم كان من أهم المواضيع التي تستوجب الوقوف والبحث والنظر والاهتمام قضية إصلاح (وليس تطوير) ترهل الجهاز الإداري للدولة، كونها قضية يتوقف عليها نجاح أو فشل الأداء الحكومي برمته وفي كافة زواياه وجوانبه: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وانعكاساتها وتأثيرها في مسيرة التنمية والتطور. وترهل الجهاز الإداري يأخذ أشكالا كثيرة هي صور متعددة، ولكن نتائجه وانعكاساته وخيمة تلامس جميع شرائح المجتمع، ومن أبرزها تدني الخدمات الحكومية والصحية وتفاقم مشكلات الفقر والبطالة، وتباطؤ بل وعجز الحكومة عن تنفيذ مشاريعها الإنمائية وفق الخطط المعدة، وعدم القدرة على الإيفاء بالوظائف والمهام، وانتشار مظاهر البيروقراطية والازدواجية وتدني العمل الإداري والمالي في الدولة، وكل ذلك يحول دون التقدم والإصلاح المنشودين أصلا من الحكومة.
والضعف في أي جهاز أيا كان يعود إلى غياب التنسيق بين الأجهزة المختلفة التي تتضارب في بعض الأحيان حتى على مستوى الأهداف، التي ينبغي أن تكون موحدة، لينعكس في نهاية المطاف على مفاصل العمل والأداء الفعال جميعها. ومن علامات الترهل هو إفرازه بطئاً في الإجراءات والمعاملات، وأشكالا وأصنافا متعددة من الازدواجية وغيرها من الظواهر السلبية المصاحبة لعمل الحكومة، وتأثيرها السلبي في أجهزتها المختلفة التي هي في الأساس وحدة واحدة، وينبغي أن تكون متكاملة وتدور في نسق واحد وضمن اتجاهات وأهداف محددة وواضحة، أي إن الضرورة تحتم العمل في إطار مشترك بين كافة الجهات والقطاعات الحكومية ليصبح أكثر إنتاجية مقابل ما يستنزفه من مصروفات وجهود غير مستثمرة بالصورة الصحيحة. ومن هنا تبرز الأهمية في توزيع الأدوار وترشيد الموارد لتأتي النتائج على القدر المأمول، في ظل ما نشهده من ترهل إداري جعل أداء المؤسسات الحكومية بطيئا لا يواكب تطلعات القيادة ولا المواطن في الداخل ولا يعكس الثقل السياسي للمملكة في الخارج.
وفي زمن لا ينفع فيه التمهل، اتخذ الملك سلمان مبادرات جذرية وقرارات جريئة لتطوير الأداء السياسي وإصلاح الجهاز الإداري للدولة، وذلك بإصدار 33 أمرا ملكيا، تمخض عنها بشكل في غاية الأهمية إعادة بناء وتشكيل الهيكل التنظيمي الإداري للدولة، تستهدف تطوير الحكومة وتحديثها، وذاك بإلغاء 12 جهازا من أجهزة الدولة العليا، وإلغاء اللجنة الفرعية للجنة العامة لمجلس الوزراء ودمج وزارة التعليم العالي بوزارة التربية، وإنشاء مجلسين يرتبطان تنظيميا بمجلس الوزراء، الأول مجلس الشؤون السياسية والأمنية والثاني مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويسمى رئيساهما وأعضاؤهما بأمر ملكي من أعضاء مجلس الوزراء، إضافة إلى رئيس الاستخبارات العامة، ويكونان جهازين رئيسين ويحلان محل الأجهزة الملغاة، ويشرفان على تنسيق العمل بين جميع الأجهزة الحكومية بسلاسة، ومن خلال تنفيذ العمل بالجودة الشاملة المطلوبة.

مجلس الشؤون السياسية والأمنية

لقد أتى تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية بالقرار الملكي بهدف إيجاد نقلة نوعية على مستويات الأمن القومي لمواكبة الأحداث المتسارعة وترتيب ما له صلة بالشؤون السياسية والأمنية، ورفع كفاءة الأداء ومستوى التنسيق تفاديا للازدواج وتحقيقا للأهداف المرسومة بما يؤدي إلى تكامل الأدوار والمسؤوليات والاختصاصات، وبما يواكب التطورات والمتغيرات المتسارعة التي طرأت في مختلف المجالات، والأخذ بمبدأ الجودة الشاملة فيها وتوحيد الجهود ولرسم السياسات الداخلية والخارجية والدفاعية والإشراف على تنفيذها فيما يتعلق باتجاه الدولة وسياستها الداخلية والخارجية، وهما الركيزة الأساسية لاستقرار وتطوير هذه البلاد والتوجه السياسي العالمي، وأعضاؤه يمثلون مفاصل الدولة المحورية، ويضم المجلس ثمانية أعضاء آخرين من بينهم وزراء الخارجية، والحرس الوطني، والدفاع، والشؤون الإسلامية والأوقاف، والثقافة والإعلام، ومدير الاستخبارات العامة. ويرأس المجلس النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وبعضوية وزير الخارجية ووزير الحرس الوطني ووزير الدفاع ووزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء والدكتور سعد بن خالد الجبري وزير الدولة عضو مجلس الوزراء عضوا ووزير الثقافة والإعلام عضوا ورئيس الاستخبارات العامة ويكون أمين عام مجلس الوزراء أمينا للمجلس.
وتشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية جاء وبحسب ما نص عليه الأمر الملكي، تأكيدا على استمرار مسيرة التنمية والبناء التي انتهجتها المملكة العربية السعودية، ولأهمية توحيد التوجهات التي ترتكز على الثوابت الشرعية والأصول النظامية المستقرة الرامية إلى تنفيذ السياسات والرؤى المنبثقة من الخطط المعتمدة. ولا شك أن تشكيل هذا الجهاز جاء مواكبا لتطلعات رئيسه الأمير محمد بن نايف، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي الذي بين "أن الظروف الدولية والإقليمية الحالية تتطلب اليقظة وتوحيد الصف لتكريس أمن الوطن واستقراره ومواصلة مسيرة التنمية والرخاء، التي ينعم بها شعب المملكة".

مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية

والمجلس الآخر هو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وبرئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز عضو مجلس الوزراء رئيسا، وعضوية كل من وزير العدل مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، وزير البترول والثروة المعدنية، وزير المالية، وزير المياه والكهرباء، وزير العمل، وزير الإسكان، وزير الحج، وزير الاقتصاد والتخطيط، وزير التجارة والصناعة، وزير النقل، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، وزير الشؤون الاجتماعية محمد بن عبد الملك آل الشيخ، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، وزير الشؤون البلدية والقروية، وزير الصحة، وزير الخدمة المدنية، وزير الثقافة والإعلام، وزير الزراعة، وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء عضوا ويكون أمين عام مجلس الوزراء أمينا للمجلس.
ولرئيس أي من المجلسين في حال غيابه أن ينيب من يراه من الأعضاء لرئاسة جلسات المجلس، ولكل من وزير الخارجية ووزير الحرس الوطني أن ينيب عنه من يراه من منسوبي الوزارة لحضور جلسات المجلس على أن يكون بمرتبة وزير.

اللجنة العامة لمجلس الوزراء

وتم إعادة تشكيل اللجنة العامة لمجلس الوزراء برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء وعضوية الدكتور عصام بن سعد بن سعيد وزير الدولة عضو مجلس الوزراء والأستاذ محمد بن عبد الملك آل الشيخ وزير الدولة عضو مجلس الوزراء عضوا ويكون أمين عام مجلس الوزراء أمينا للجنة.
إن دمج المجالس والهيئات العليا المشرفة على الوزارات في مجلسين أمني واقتصادي تنموي جاء متزامنا مع حالة من الترقب في داخل وخارج المملكة لسياسات الملك التي أتت لتبين أن إدارة الحكم في عهد الملك سلمان ليس مجرد عبارات أو مناسبات، وإنما منهجية ملتزمة وإصلاحات جذرية، وبث الروح في وزارات الدولة بفكر جديد وبحرية في العمل وبتنسيق مشترك وموحد، ولكن بمسؤولية مباشرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي