نحو توسيع القطاع المصرفي

لو سألت صاحب أي منشأة متوسطة أو صغيرة عن أول العراقيل التي يواجهها في توسيع نشاطه، لقال إن الحصول على تمويل أو ضمانات أو اعتمادات مصرفية هو أصعب أمر، وإذا وافق أحد المصارف على تمويلي وضع فوائد تتجاوز 10 في المائة على أصل المبلغ، عدا الرسوم الإدارية، ما يوصل نسبة الفائدة العامة للمصارف إلى أكثر من 12 في المائة. في المقابل، فإن صافي الربح لهذه الفئة من التجار لا يتجاوز 20 في المائة، ليكون صافي الربح بعد خصم فوائد للمصارف لا يتجاوز 8 في المائة في أفضل الأحوال، وهذا العائد غير مجد لأي مستثمر. يقول أحد ملاك المنشآت المتوسطة إن الشركات الكبيرة تحصل على تسهيلات وقروض بسعر فائدة لا يتجاوز 6 في المائة في أسوأ الأحوال، ما يجعل المنافسة بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة معدومة نسبياً، ويسهم هذا الإجحاف بحق المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اضمحلالها وخروجها من السوق لمصلحة المنشآت الكبيرة التي يملك أصحابها نسبا كبيرة في تلك المصارف، وسواء كان هذا التوجه بقصد أو بدون قصد فإن هذا الأمر يحتاج إلى حل جذري.
للإسهام في حل هذه المشكلة، استحدثت الدولة صندوق كفالة لدعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة فيما لا يتجاوز مليوني ريال، ويعمل الصندوق بالشكل التالي: في حال موافقة المصرف على تمويل المنشأة، يقوم الصندوق بضمان 80 في المائة من قيمة القرض، ويقدم المقترض ضمانات لتغطية 20 في المائة من القرض، وهذا الأمر لتجاوز أعذار المصارف الواهية في ارتفاع مخاطر إقراض المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أن ما تفعله المصارف هو استغلال قبيح لتوجه الدولة لتسهيل تمويل هذا القطاع المهم. والمشكلة أن هذا يحدث تحت مرأى ومسمع مؤسسة النقد، فعلى الرغم من انخفاض المخاطر لدرجة قريبة من الصفر من جانب المصارف، إلا أنها ما زالت تفرض نسب فائدة تتجاوز 10 في المائة مع وجود هذه الضمانات كلها، وهذا أمر غير معقول ولا منطقي، فنحن نفهم أن نسبة الفائدة تعكس مستوى المخاطرة التي يتحملها المقرض ــ المصارف ــ أما أن تكون العلاقة بين النسبة والمخاطرة عكسية ــ تنخفض المخاطرة وترتفع الفائدة ــ فإن هذا هو مصداق على الاستغلال، بل معاندة لتوجه الدولة في دعم صغار المستثمرين. أما ما هو أغرب من هذا كله، فإن هناك بعض المصارف تطلب ضمانات تعادل 200 في المائة من حجم القرض، ومع ذلك فإنها تضع فوائد تتجاوز 7 في المائة، أي أنها تحقق نسب مخاطرة منخفضة، ومعدل ربح عال، في عملية عكسية لما تفرضه المعادلات الاقتصادية في العالم كله.
إن ما دفع المصارف لاستغلال قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو عدم تكافؤ حجم السوق السعودية وعدد المصارف العاملة فيه، فنجد في إحدى الدول المجاورة مثلا أكثر من 80 مصرفا، وهذا ينعكس سلبياً على معدلات الفائدة وإيجابياً على سهولة الإقراض ونمو هذا القطاع المهم. وهذا الأمر بالذات ما يجعل أرباح المصارف السعودية أعلى من مثيلاتها في بقية البلدان، فنجد أن بعض المصارف السعودية تتجاوز أرباحها 50 في المائة من رأسمالها، ولا أدري كيف تحقق هذه الأرباح الفلكية مقابل صمت غريب من مؤسسة النقد؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي