تفعيل الأنظمة من خلال الرقابة الشعبية

يقصد بتفعيل نظام ما سريان أو تطبيق جميع أحكامه على جميع أفراد المجتمع الذين يخاطبهم النظام دون استثناء. فنظام ما يسري اجتماعيا عندما تتبع أحكامه أو عندما يعاقب على عدم اتباعها، ويكون أكثر فعالية في تحقيق أهدافه ومراعاته لمطلب العدالة القانونية بقدر درجة تفعيل أحكامه وسريانها على الجميع دون استثناء. ومن ثَم فإن النظام الذي تتبع أحكامه بنسبة 90 في المائة من حالاتها، ويعاقب على 90 في المائة من حالات عدم اتباع أحكامه يعد على درجة كبيرة من التأثير الاجتماعي، ودرجة عالية من الفعالية في تحقيق أهدافه، وبالمقابل فإن النظام الذي تتبع أحكامه بنسبة 5 في المائة فقط من حالاتها ويعاقب على 5 في المائة من حالات عدم اتباع أحكامه، يعد على درجة ضعيفة جدا من التأثير الاجتماعي، وكذلك من الفعالية في تحقيق أهدافه.
السؤال الذي يرد بعد هذه المقدمة: ما نسبة تفعيل الأنظمة المعتمدة في المملكة؟ والإجابة عنه تقتضي معرفة درجة تطبيق أحكام كل نظام من جهة، ودرجة معاقبة عدم اتباع أحكامه من جهة ثانية في نطاق مفهوم السريان القانوني، وذلك لجميع الأنظمة المقررة في المملكة التي تتجاوز 300 نظام. لا توجد إحصائية أو دراسة علمية تجيب عن هذا السؤال استخدمت المعايير الموضوعية لقياس السريان، ومن أهمها الاتباع والمعاقبة على عدم الاتباع لأي من الأنظمة في المملكة، ولكن يمكن القول إن هناك اختلافا بنسب متفاوتة في المملكة، فنجد بعض الأنظمة يجري تفعيل أحكامها والمعاقبة على عدم اتباع أحكامها بنسبة عالية، وبناء على ذلك تسري سريانا قانونيا كاملا أو شبه كامل، مثل نظام المرور ونظام مراقبة المصارف، ونجد بعضها الآخر يجري اتباع تفعيل أحكامها والمعاقبة على عدم اتباع أحكامها بنسبة أقل، مثل نظام مكافحة التستر وأنظمة التراخيص البلدية وغراماتها.
كما يمكن القول بأن تفعيل أحكام أي نظام يتوقف على عدد من العوامل، منها نجاح الجهة المسؤولة في الاستعانة بوسائل وأساليب فعالة تمكنها من القيام بدور الرقابة، ومن ثَم تطبيق أحكام هذا النظام بدرجة كبيرة من التأثير الاجتماعي ودرجة عالية من الفعالية في تحقيق أهدافه. ومن بين هذه الوسائل الفعالة إشراك المواطنين والجمعيات وبقية مؤسسات المجتمع المدني في الرقابة. وتعد هذه الوسيلة، أو ما يسمى في بعض الدول بالرقابة الشعبية أو الرقابة المجتمعية، نوعا من أنواع الرقابة الخارجية التي أصبح لها تأثيرها، وبدأت بعض الجهات الحكومية في الاستفادة منها وقطف ثمارها، خصوصا أن هذا النوع لا يحتاج إلى توفير وظائف وتكاليف مالية عالية، وإنما يتطلب فقط الاستفادة من المواطنين، والنظر إليهم بوصفهم شركاء، وتمكينهم من القيام بدور رقابي إيجابي من خلال مساهمتهم في الكشف عن مخالفات أحكام النظام والإبلاغ عنها.
بقي أن نقول: إنه مطلوب من الجهات الحكومية الإسراع في القيام بقياس درجة السريان القانوني للأنظمة المسؤولة عن تطبيقها ومدى فعاليتها في تحقيق أهدافها، كما يطلب منها تعزيز الشراكة مع المواطنين والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في عملية الرقابة لتساعدها في تفعيل الأنظمة التي لديها، والاستفادة من آليات ووسائل الاتصال الحديثة بأشكالها المختلفة الخطية أو عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة التواصل مع المواطنين، وإعطاء الأولوية لتلقي أكبر عدد من البلاغات المقدمة منهم، والإسراع في اتخاذ الإجراءات النظامية، وإفادتهم بما تم في بلاغاتهم، وصرف مكافآت مادية ومعنوية لهم؛ لتحفيزهم على الاستمرار والمزيد من التعاون وصولا لتفعيل أحكام تلك الأنظمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي