أولادنا .. والوحدة الوطنية
في طريق العودة من المدرسة أمس، كان ولدي سلام يتحدث مع أحد أصدقائه، وكنت أنصت لحديثهما بتأمل، ولم أتوقع يوما من الأيام أن أسمع بعض الألفاظ على لسان أطفال لم يتجاوزوا العاشرة من العمر، فكلمات مثل "داعش" و"تفجير" و"حزام ناسف" هي كلمات مؤلمة للكبار، فما بالك أن تسمعها من لسان أطفال أبرياء، كانوا قبل أيام لا يعلمون من هذه الكلمات شيئا أبدا، الخلاصة التي استقرت بذهني بعد هذا الحديث هو أن ما بعد حادثة القديح الإجرامية ليس كما قبلها أبدا.
كلي ثقة بأن هذه الكلمات والمصطلحات قد تم تناولها من قبل أطفال كثر، ومن ذوي شهداء الوطن كافة، فدم رجال الأمن الذي سال في مواجهة الإرهاب هو الدم نفسه الذي سال في القديح والدالوة والرياض والقصيم وفي أي مدينة ترفع شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكلنا فيما يمس هذا الوطن واحد، ولا مزايدة على منطقة دون أخرى، ولا على مذهب دون آخر، ولا عن قبيلة دون أخرى، كلنا نواجه العدو نفسه والتحديات نفسها. اليوم لا أريد مناقشة الشق الأمني أو السياسي لما حدث ولما قد يحدث -لا سمح الله-، ولكني أريد أن أبثكم ما يجول بصدري وصدور الكثير من أبناء هذا الوطن.
منذ توحيد هذا الوطن قبل أكثر من 70 عاما ونحن نعيش تنوعا ثقافيا ودينيا وفكريا، ولم يتغير هذا التنوع بعد كل هذه السنوات، فما زال المجتمع السعودي مجتمعا متنوعا مذهبيا وقبليا وفكريا وثقافيا، ولن يستطيع أي مغامر أو حالم أن يغير هذا التنوع، الذي يعد مصدر قوة و منعة في أعين العقلاء. اليوم نقف كمجتمع أمام تحدٍ كبير في إقرار هذا التنوع اجتماعيا، فقبول السعودي المختلف معك في مذهبه أو منطقته أو فكره أمر حتمي، لن تستطيع تغييره ولن يستطيع تغييرك، إلا أن وحدة الدين والمصير تجمعنا تحت مظلة واحدة، فلو شب حريق في بيت جارك، فسيأتي إليك، فواجبك الديني والمصلحي والمنطقي أن تهب لنجدته ومساعدته. اليوم ضرب الإرهاب القديح، وضرب قبلها الدالوة والرياض والقصيم والخبر، يجب أن ننظر لهذه المدن بمنظار وطني، لا بمنظار طائفي أو قبلي أو فكري، كان الضحايا اليوم شيعة، وسقط قبلهم ضحايا سنة ومقيمون مستأمنون، إلا أن التعريف الحقيقي لكل هؤلاء أنهم مواطنون، يشتركون معك ومعي في الحاضر والمستقبل، مصيري ومصيرهم ومصيرك واحد.
أبنائي وأبناؤك سيعيشون مع بعضهم بعضا، وواجبي وواجبك أن نغرس فيهم قيم الحب والتسامح، وأن تكون عقيدتهم هي أن هذا الوطن للجميع، وأن من يعتدي على مكون من مكونات هذا الوطن، فكأنه اعتدى على الجميع، وأن واجب الجميع حمايته وصونه، فأنت مواطن وأنا مواطن، وهذا هو المهم بل هو الأهم في رسم علاقتي بك وعلاقتك بي.