أحلامهم الكبيرة

تعد القوة البشرية أهم عنصر من عناصر نمو أي بلد، وكلما ارتفعت نسبة من أعمارهم بين 15 عاما و40 عاما ارتفعت التوقعات بالنمو الاقتصادي للبلد، هذا لأن هذه الفئة هي التي تتزعم المشاركة في عملية البناء والتنمية لأي بلد، أما باقي العناصر كالثروات الطبيعية أو القوة العسكرية فإنها تعتبر أقل أهمية مقارنة بالعنصر البشري، لأنه مصدر التنمية ومحورها الأول. في بلدنا، تبلغ نسبة من أعمارهم تتراوح بين 15 و40 أكثر من 65 في المائة، أي أكثر من 13 مليون سعودي وسعودية. هذه الفئة من المواطنين لها أحلام وطموحات كبيرة، بعضها شخصي وبعضها الآخر وطني.
عندما كنت أدرس في أمريكا لاحظت أن معظم زملائي في الدراسة خلال العامين الأول والثاني لم يحددوا ماذا سيدرسون، ولاحظت في العام الثالث والرابع أن هناك كثيرا من الطلاب يغيرون تخصصاتهم من إدارة أعمال إلى هندسة أو من علوم اجتماعية إلى رياضيات، أي أنهم يغيرون تخصصاتهم جذريا. هذه الظاهرة جعلتني أسأل بعض من يدرسون في العام الأول والثاني عن سبب عدم اتخاذهم قرار اختيار التخصص، فكان جواب الجميع ينتهي إلى أن اختيار التخصص هو اختيار لمسار حياتهم، وهذا يتطلب تفكيرا جديا وتجربة في دراسة بعض المواد المتعلقة بعدد من التخصصات التي يجد كل شخص أن له ميولا تجاهها.
أما المجموعة الثانية، أي من يدرسون في العامين الثالث والرابع، الذين كانوا قد غيروا تخصصاتهم جذريا، فقد كان للسبب نفسه، أي أنهم قد جربوا تخصصا معينا ولم يجدوا أنفسهم في ذلك التخصص. سألت أحدهم، كيف تضحي بـ20.000 دولار وهي الرسوم الدراسية لعام كامل هكذا فقط لأنك لم تحب هذا التخصص، بينما أن تقديراتك بمواد التخصص جيدة جدا، فكان رده أن حياته أغلى من 20.000 دولار، وأنه لن يرهن ما تبقى من حياته مقابل أي مال.
ما أريد قوله، إن فتح المجال أمام هذه الفئة من المواطنين تعليميا ووظيفيا وإبداعيا واقتصاديا يتطلب إعادة صياغة العملية التنموية والاقتصادية لتلائم هذه الطموحات وهذه التطلعات، وأكثر ما يحبط هذه الفئة العمرية هو أن تصطدم بأنظمة وقوانين لا تناسب لا احتياجاتها ولا تواكب العلم والتطور كما هي الحال في البلدان المتقدمة. إن إحباطات هذه الفئة من الناس تعني تعطيل العملية التنموية الحقيقية للبلد، فمهمة الحكومة خدمة الناس وتلبية تطلعاتها، وهذا يتطلب فتح مساحات التعاطي مع الشباب والإنصات لحاجاتهم وتلبيتها. في عهد الملك عبدالله يرحمه الله ابتعث آلاف من الشباب السعودي للدراسة في الخارج، وعاد آلاف منهم بشهادات وأحلام وطموحات، هذه الطموحات المدعمة بالعلم وتجربة الاحتكاك بشعوب مختلفة وثقافات متعددة جديرة بتلبيتها، لأنها ستحرك عجلة التنمية بشكل لا يخطر ببال أحد، وهي الثروة الحقيقية للبلد، الثروة التي لا تنضب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي