هذا ما يفعله الإرهاب
كعادتي كلما زرت القاهرة أبحث عن الندوات الثقافية العامة.
وفي زيارتي الأخيرة منذ أيام وجدت فعالية شيقة في ناد ثقافي عام في حي الزمالك .. ولمن لا يعرف فحي الزمالك الواقع غرب مدينة القاهرة هو أحد أعرق أحيائها الراقية وفيه يقطن أثرياؤها ومثقفوها ومفكروها وغيرهم.
الندوة استضافتها "ساقية الصاوي" وهي مركز ثقافي هادئ يقع في قلب "الزمالك" يضم جدولا زاخرا بمختلف الأعمال الثقافية والفنون والندوات على مدار العام. وكان أول حضور لي هناك في ندوة عن الأدب المصري الحديث وكيف يعكس الواقع الاقتصادي للدولة "أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك".
هذه المرة كان عنوان للباحث والأديب بسام الشماع يتحدث فيه عن تاريخ الحكام عبر العصور مستشهدا تحديدا بعصر الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي تميز بالنزاهة والعفة والرخاء الاقتصادي وكفاءة إدارة موارد الدولة.
ما دفعني للكتابة حول الندوة هو ضخامة التغيرات التي حدثت في الشقيقة مصر منذ آخر زيارة لي لهذا المركز عام 2006 وانقلاب الحكم عام 2011 ثم مأساة تولي الإخوان حكم مصر لفترة وجيزة ـــ ولله الحمد ـــ قبل أن تبدأ الدولة بالتوجه في مسار أكثر استقرارا في الاقتصاد والوسطية المجتمعية وتقبل الآخر ونبذ الطائفية. ولا يزال يطالعنا الوجه الوحشي للأعمال الإرهابية من حين إلى آخر في هيئة تفجيرات جبانة تفتك بالأبرياء وتضر بالمصالح العامة، ولأن هذا الواقع نسمعه في الأخبار بلا اكتراث دعوني أنقل لكم تجربتي الشخصية التي مرت بسلام ولله الحمد.
حجزت مقعدي "المجاني" في الندوة دون تردد وأدخلتها في مفكرة الجوال وأنهيت أعمالي بسرعة ليتسنى لي الحضور مبكرا. هاتفت أمي كعادتي كل يوم وذكرت لها برنامجي فقالت لي مباشرة "انتبهي على نفسك" ولم أدرك مغزى تحذيرها بالمرة بل ذهب تفكيري للازدحام الشديد أو الخروج بمفردي مساء، فاستغربت ورددت قائلة: "أمي أنا ترى كبرت من زمان" فشرحت قصدها عن احتمالية كون المكان مستهدفا من الإرهابيين لكني ابتسمت ونبذت الفكرة فورا دون قلق. ومرت بضع ساعات وبدأت أستعد للخروج فعصفت بذهني بعض الهواجس عما لو كان المكان فعلا مستهدفا من أي جماعة مجرمة ومرت الدقائق سريعا في المشوار والقلق يزداد شيئا فشيئا لكني صامتة لا أبث خواطري لعائلتي. وعندما وصلنا قال زوجي مازحا "انتبهي على نفسك" فتمتمت مبتسمة ــ إن شاء الله ـــ".
وتوجهت لداخل المكان.. تأملت لحظتها أن أمر بنقطة تفتيش أمني ولكني وجدت مكانها سيدة بسيطة تطالع الكمبيوتر بهدوء. سألتها عن قاعة الندوة فأشارت إلى المكان فسرت قدما إلى أن وصلت لمكان ندوتي. كان الحضور لا يتجاوز 50 شخصا والمحاضر يتحدث عن الموضوع بحماس وخبرة مميزة
فتطلعت حولي وقررت الجلوس في الصف الثاني بأقصى يسار القاعة قرب الباب في حال حدوث ما يستدعي الخروج، وجلست بضع دقائق في توجس ذهني إثر التفكير فيما سببه الإرهاب في البلاد وحزنت فعلا لما وصلت إليه الحال. ما بالنا بالمضطرين للخروج كل يوم وركوب المواصلات العامة والوجود في أماكن مزدحمة وقد لا يعودون لبيوتهم مرة أخرى. ما بال الجنود الذين يحرسون البلاد والعباد ضد شياطين الإرهاب. أكتب هذه السطور وأنا حزينة لكل من زهقت روحه البريئة في عمل شيطاني نجس وأدعو الله أن يثبت الأمن والأمان في كل مكان "دون استثناء" خاصة في بلادي الحبيبة والدول العربية "أو ما تبقى منها".
وكل عام وأنتم بخير وسلام.