مصادر المياه في العالم

الآن وقد عرضنا بشكل سريع أسباب المشكلات المائية في العالم، سنحاول الآن الإجابة عن سؤالين رئيسيين هما: من أين يأتي كل هذا الماء في العالم "مصادر الماء في العالم"؟ وأين يذهب "؟ وجوه استهلاك الماء".
يمكن تقسيم مصادر المياه في العالم إلى قسمين اثنين لتبسيط الأمور: مصادر مباشرة "تقليدية أو متجددة" ومصادر غير مباشرة "أو مستحدثة".
المصادر التقليدية أو المباشرة هي المصادر التي تحوي ماءً عذبا يمكن استخدامه للشرب أو أغراض زراعية مباشرة، ودون الحاجة إلى عمليات تحلية. هذه المصادر هي المصادر الأساسية والقديمة للمياه وتشمل المياه السطحية "مياه الأنهار والبحيرات" والمياه الجوفية الضحلة.
أما المصادر غير المباشرة فهي مصادر مياه غير صالحة للشرب بشكل مباشر وتحتاج إلى عمليات تحلية وتعقيم. وهذه المصادر مستحدثة في الغالب لحاجة الناس إلى مياه شرب أو مياه زراعية أو صناعية، نتيجة شح المصادر التقليدية وزيادة الطلب على المياه. هذه المصادر الجديدة تشمل مياه البحار والمياه الجوفية العميقة "غير المتجددة أو الأحفورية كما تسمى في بعض المصادر لقدمها" ومياه الصرف "الصحي والصناعي والزراعي".
عالميا تمثل المياه السطحية المصدر الرئيسي للمياه في العالم بنسبة تصل إلى 73 في المائة وتليها المياه الجوفية بنسبة تصل إلى 18 في المائة. في حين تمثل المصادر غير المباشرة النسبة البسيطة المتبقية وهي أقل من 9 في المائة "بيانات العام 2000". الحديث في هذه المقالة سيقتصر على المصدرين الأوليين: المياه السطحية والمياه الجوفية.
المياه السطحية ــــ مياه الأنهار والبحيرات ـــ تمثل الخيار الأنسب والأول عالميا. فهي مياه سهلة المنال وذات جودة عالية في الغالب. في إفريقيا مثلا هناك أشهر هذه المصادر وهو نهر النيل "واسمه في الهيروغليفية أتروعا وقيل إنه يعني نعمة الرب، أما كلمة النيل فمشتقة من الكلمة اليونانية نيلوس التي تعني النهر"، الذي يمثل مصدر المياه الأول والأفضل لكل دول مصبه ومنبعه الإحدى عشرة. أما في أمريكا الشمالية، فهناك نهر كولورادو "الذي سميت الولاية الأمريكية باسمه" وهو مصدر الماء الأساسي لأكثر من 40 مليون أمريكي في ولايات الجنوب الغربي الأمريكية ونبع الحياة الأوحد لمدينة لاس فيجاس. وفي أمريكا الجنوبية هناك النهر الأضخم في العالم: نهر الأمازون "الذي كان يعرف بمار دولس أو البحر الحلو، فالبعض يطلق على الأمازون لفظ البحر لاتساعه، ولهذا كان يسمى أيضا جراند ريو أو النهر الكبير. أما لفظ الأمازون فأطلق عليه بالخطأ لزعم المستكشفين الأوائل وجود محاربات شعب الأمازون الأسطوريات على ضفافه، رغم أن الأساطير اليونانية تقول بوجودهم في إفريقيا وأواسط آسيا وليس أمريكا الجنوبية".
أما المكون الآخر للمياه السطحية فهو البحيرات، وهناك بحيرة بايكال في روسيا الاتحادية وهي البحيرة الأكبر في العالم من حيث كمية الماء فيها. البحيرة أيضا تعد ـــ حسب رأي الجيولوجيين ـــ الأقدم في العالم بعمر يتجاوز الـ 25 مليون سنة. وهناك أيضا بحيرة تشاد التي كانت تُرى من الفضاء، وكان رواد الفضاء يستخدمونها كمعلم أو Reference Point. أما في أمريكا فهناك البحيرات العظمى التي تسمى أيضا الساحل الثالث لـ "أمريكا"، وذلك لاتساعها، وهي تمثل أكبر تجمع للبحيرات العذبة في العالم.
الاعتماد على المياه السطحية كمصدر أساسي للماء لا يخلو من تحديات أهمها:
(1) سهولة تعرضها للتلوث.
(2) النزاعات الحدودية الإقليمية.
تلوث مياه الأنهار والبحيرات هو أمر سهل وشائع ــــ للأسف ـــ نتيجة سهولة وصول مياه الصرف بأنواعه "الصحي والصناعي والزراعي" إليها كما رأينا في المقالات السابقة، وكذلك التلوث الناتج عن النقل البحري. أما النزاعات المائية فهي أيضا تحدٍ آخر ــــ خاصة لدول المصب ـــ كما حصل لمصر مع نهر النيل، وللعراق مع نهري دجلة والفرات، ولفيتنام وكمبوديا مع نهر الميكونج. فبناء السدود في دول المنبع سواء لأغراض توليد الكهرباء أو للاستزادة من الماء يهدد الحياة المائية في الأنهار ــــ وبالتالي صناعة صيد الأسماك- بل ويهدد دول المصب بالعطش وهلاك المحاصيل بل وانهيار القطاع الزراعي.. ولنا عودة للحديث بشكل مفصل عن هذا الموضوع.
أما المياه الجوفية ــــ المكون الثاني لمصادر المياه التقليدية في العالم ــــ فتمثل المصدر الرئيس لقرابة الخمس من الاستهلاك العالمي كما رأينا. المياه الجوفية هي ببساطة مياه أمطار تسربت إلى باطن الأرض واستقرت في طبقات حاملة ـــ غير مسامية ــــ على أعماق مختلفة. عندما تكون المياه الجوفية على أعماق بسيطة تسمى مياه جوفية متجددة، لأن المستهلك منها يتم تعويضه ـــ أو تجديده- عن طريق الأمطار مرة أخرى. أما عندما تكون على أعماق أبعد فإنها تسمى مياه غير متجددة، لصعوبة تعويض المستهلك منها. عالميا النسبة الأكبر هي من المياه المتجددة ــــ لحسن الحظ ــــ بنسبة 18 في المائة، في حين تمثل المياه الجوفية غير المتجددة أقل من 1 في المائة فقط. لكن هذه النسبة لسوء الحظ تتركز في المنطقة العربية أساسا.
المياه الجوفية أقل عرضة للتلوث من المياه السطحية، لكن تلوثها أصعب في الملاحظة، ويكاد يكون التخلص منه مستحيلا. المصدر الأساسي لتلوث المياه الجوفية ـــ الضحلة ـــ هو تسرب مياه الصرف الصحي أو الصناعي. فكثير من البلدان في العالم الثالث لا يمتلك شبكات لتجميع مياه الصرف الصحي، ما يؤدي إلى احتمالية تسربه واختلاطه بالمياه الجوفية.
كانت هذه نظرة سريعة هدفها التعريف بمصادر الشرب التقليدية ـــ والأساسية ــــ في العالم. هذه المصادر وإن كانت تمثل الغالبية الساحقة عالميا، إلا أنها في تناقص مستمر نتيجة الزيادة السكانية والإسراف في الاستهلاك المائي، ما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على المصادر غير التقليدية.. وهي ما سنتحدث عنه في المقال المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي