أوهام وحقائق إدارية
مع تقدم علم الإدارة، وتطور مدارسه وتنوعها، ظهر عديد من النظريات والممارسات الحديثة. وظهر لها متحمسون، يروجون لها، ويسعون إلى تطبيقها والدفاع عنها. وبالطبع، فإن التطبيق الميداني للفكرة يولد كثيرا من الفجوات عن الشق النظري، كما يولد أحيانا ردة فعل سلبية تجاه المفهوم، فتجعله في نظر الممارس "فكرة مهزوزة" لا يمكن الوثوق بها. وهذا يظل جزءا من تركيبة العلوم الإنسانية، ومنها "علم الإدارة"، حيث تتداخل معها الظروف الخارجية والداخلية، ويصعب ضبط المتغيرات لها بدقة. هذا الأمر أدى مع الوقت إلى ظهور عدد من التوقعات حول ممارسات معينة، بأنها ستقود إلى نتائج معينة، مع أن هذا الربط قد لا يصح على وجه الإطلاق. ومن ذلك ما سأستعرضه في مقالي هذا مما نراه ملاحظاً في بيئاتنا الإدارية:
1. فكرة ربط ساعات العمل بالإنتاجية:
فعلى الرغم من ارتباط هذين العاملين لفترة من الزمن، وانسحاب أمور أخرى عليها مثل دقة الحضور المبكر للعمل، وقضاء وقت طويل ومتأخر في مكان العمل، إلا أن أسلوب العمل الحديث بدد كثيرا من هذا الربط. فشركة جوجل على سبيل المثال "هذا الكيان المثالي في الإنتاجية في عصرنا الحديث"، يعتمد في أسلوبه الحالي على قياس الإنتاجية دون تأثير كبير للظروف الاعتيادية مثل البقاء على المكتب لساعات محددة أو الحضور في وقت محدد. كل ما في الأمر أن يتفق الجميع على مؤشرات أداء النجاح للعمل، ثم يفترقوا ليعودوا عند التسليم في الوقت المحدد، بغض النظر عن الكيفية، ما أتاح لهم توفير كثير من أدبيات الضبط الإداري، إضافة إلى زيادة الإنتاجية والثقة والولاء. وهذا يقودنا إلى أن الوهم الإداري القديم في ربط الإنتاجية بطول البقاء في مقاعد العمل، لم يعد مقنعا كما في السابق. فمنظمات اليوم تحتاج إلى كثير من المهارات التي يمكن من خلالها إنجاز الأعمال عن بعد.
2. الربط بين جودة التقارير الإدارية، وعدد صفحاتها.
من الأوهام الإدارية السائدة والخاطئة ما نلاحظه عند إعداد التقارير الإدارية، التي تعد واحدة من أهم أدوات التخطيط والمتابعة والإشراف على الأعمال. ومن ينظر إلى الأسلوب الذي تعد فيه هذه التقارير، يجد أن هناك نموا واضحا لمفهوم الكم على حساب الكيف، فكثير من التقارير يمكن الاستغناء عن ثلاثة أرباع صفحاتها التي لا تخلو من الحشو. والسبب، هو الارتباط الذهني السائد بين جودة التقارير وعدد صفحاتها، بينما يفترض في التقرير أن يكون موجها لتحقيق أهداف معينة، تحتاج إلى تفصيل مكتوب، حيث يخدم صاحب القرار في اتخاذ قراره، بغض النظر عن ضغط عدد الصفحات وكثرتها. فالمهم، هو جودة المعلومة ودقتها، حتى لو كانت شطرا واحدا. في حين تستغرق حجم الصفحات غير المفيدة هدرا في الجهود والأوقات دون عائد.
إن في إشارتي إلى هذين الوهمين الإداريين، أريد أن أقول إن العمل الإداري تطور كثيرا، ويجب أن يخضع ممارسوه لمزيد من التدريب، وتحديث معلوماتهم، ومتابعة التجارب والممارسات العالمية التي بدورها تطور العمل الإداري، وتغير من مفاهيمه نحو الأفضل.