البطل الأسطورة زورو .. الحقيقة والرواية

البطل الأسطورة زورو .. الحقيقة والرواية

ابتكر المؤلف الأمريكي جونستونمكالي شخصية الفارس زورو، وهي شخصية يرجح أنها ليست خيالية بالكامل، وأن أصل هذه القصة فيه شيء من الحقيقة، وهو الأمر الذي درسه المؤرخون والباحثون لمعرفة أصل هذه الشخصية ووضعوا عدة آراء منها: أن هذه الشخصية من الخارجين عن القانون الذين ظهروا خلال فترة البحث عن الذهب في كاليفورنيا، وهناك رأي آخر يقول إن الشخصية مقتبسة من روبن هود. لكن أغلب الدراسات رجحت أن أصل شخصية زورو هو رجل يدعى جون لامبورد، وهو الرجل الذي حارب ظلم محاكم التفتيش، وحاول أن يقف إلى جانب الضعفاء والمظلومين. وتقول سجلات محاكم التفتيش إن هذا الرجل سُجن من قبل قضاة محاكم التفتيش في ماكسيكو لكنه تمكن من الهرب في عام 1650 في ليلة عيد الميلاد.
وأساس هذه الأسطورة يعود إلى قدرة هذا الثوري على الهرب وعلى اختراق الأبواب واجتياز الجدران نحو الحرية، وبين ليلة وضحاها وزع الرجل منشورات ضد ظلم المحاكم التفتيشية الإسبانية، وقام بكتابة مسودة لإعلان الاستقلال، وتوزيعها في المدينة معلنا فساد النظام القضائي، هذه الشخصية لم تخلف آثارا أخرى وراءها، ما ساعد على انتشار شائعات في المدينة بأن هروب هذا الرجل خارق للطبيعة.

ولدى البحث والتقصي عن هذا الثوري في السجلات التاريخية وأوراق محاكم التفتيش الإسبانية توصلوا إلى أنه في القرن السابع عشر في المكسيك كانت محاكم التفتيش الإسبانية من أكثر التنظيمات التي كان يرهب جانبها تلك الفترة، وكانت هذه المحاكم تحتفظ بسجلات دقيقة ومفصلة لتحقيقاتها، وعند دراسة هذه السجلات كشفت تفاصيل دقيقة عن شخصية جون لامبورد.

وجون لامبورد شاب إيرلندي الأصل ليس مكسيكيا ولا إسبانيا اسمه الحقيقي وليم لامبورد الذي تشير السجلات إلى أنه سافر إلى المكسيك في عام 1640، ثم اعتقل لاحقاً وتمت محاكمته من قبل محاكم التفتيش. وجد هذه التفاصيل الكاتب ريزا بلاسيو، وهو كاتب ومؤرخ وسياسي مكسيكي كتب عديدا من القصص والمغامرات عن شخصيات تاريخية مثل شخصية زورو، وبعد التقصي ودراسة كتابات بلاسيو تم اكتشاف أن روايات بلاسيو هي قصص تاريخية حقيقية عمرها نحو 200 سنة أخذها من سجلات محاكم التفتيش.

وقد بنى الكاتب بلاسيو أساس شخصية زورو وتفاصيلها على ما وجده في السجلات وعلى محاكمة لامبورد ووجدت شخصية لامبورد في كتابات بلاسيو تحت إحدى القصص التي أطلق عليها مسمى الذئب والثعلب، بينما ورد اسم زورو في أحد الفصول من رواية أخرى. وورد اسم لامبورد مرة أخرى عام 1908 في نيويورك من قبل هنري تشارزلي عندما قام بنشر وثائق محاكمات التفتيش الإسبانية واستعان بكتابات بلاسيو التي ورد فيها اسم لامبورد.

###لامبورد

ولد وليم لامبورد في جزيرة ونسكفورد الريفية عام 1615، وبعد وفاة والدته وهو ما زال فتى أرسل إلى الكلية في دبلن ثم إلى لندن في إنجلترا، وكان هذا الفتى ذكيا واعتبره معلموه طفلاً عبقرياً لكنه صعب المراس، خلال هذه الفترة كان في إنجلترا صراع ديني قوي، وبما أن لامبورد كاثوليكي واجه اضطهادا من السلطات البروستانتية. وأثناء هذه الصراعات قرر مغادرة البلاد، وتوجه في إحدى السفن إلى البحر لكن لسوء الحظ تعرضت هذه السفينة لسيطرة القراصنة، ولم يكن أمام لامبورد اختيار سوى الانضمام إلى طاقم القراصنة، واستمر معهم لمده عامين متتالين تذوق فيهما حياة البحر القاسية. بعدها قرر لامبورد أن يترك تلك السفينة وتوجه إلى إسبانيا التي كانت تحكم إمبراطورية عالمية امتدت من أوروبا إلى العالم الجديد في الأمريكتين، وكان لها سيطرة وقوة وكان يحكمها في تلك الفترة فيليب الرابع. تقرب لامبورد من الحاكم المحلي ومن خلاله تعرف على الكونت الدوق أويليفاريز، وكان هذا الرجل هو القوة الكامنة وراء حكم إسبانيا، وكان يتمتع بالسيطرة المطلقة على الحكومة الملكية، وليثبت وليم لامبورد الولاء والإخلاص للحكم الإسباني غير اسمه إلى جون لامبورد.

مع اشتداد الثورات في المكسيك تقرر إرجاع المكسيك تحت سيطرة إسبانيا، وتم اختيار لامبورد كجاسوس لمصلحة إسبانيا لمعرفة سير الأوضاع، وسافر لامبورد إلى المكسيك بصحبة النائب الجديد بشكل سري.

كانت مكسيكو سيتي تلك الفترة مدينة عالمية. وأرسل لامبورد تقارير إلى مدريد حول المجتمع الذي رآه، وهنا يرجح الكتاب بداية ظهور شخصية زورو وتشكل هذه الشخصية. في المكسيك عاش لامبورد شخصية مزدوجة فهو في النهار شخصية أرستقراطية وجاسوس في الليل، ويقوم بجمع المعلومات من السكان المحليين.

صدم لامبورد من الوضع في المكسيك عندما اكتشف أن العبيد والهنود يمثلون أغلبية المجتمع وهم شديدو الفقر يستغلون تماماً ويتم قتلهم لأتفه سبب، كما صدم من فساد الطبقة الحاكمة وفوجئ حين رأى حالات الفساد في الكنيسة الكاثوليكية والسلطة التي تحكمها والتي تتمثل في محاكم التفتيش، التي تعتبر أكثر قوة مسيطرة في الإمبراطورية الإسبانية، وهي القوة التي تسجن أي شخص يستخف بتعاليم المذهب الكاثوليكي في العالم الجديد. بعد سنتين من متابعة لامبورد لهذا الوضع ورؤيته للظلم الذي يتعرض له الهنود والفقراء قرر أنه لابد من التغيير وأن هذا الوضع يجب ألا يستمر، وقرر أن يبدأ حياة مزدوجة بشكل آخر يدعم فيها الهنود ويحاول رفع الظلم عنهم. ثم قرر لامبورد التخطيط للثورة وابتدأ يكتب مسودة إعلان الاستقلال وهذه المسودة موجودة حتى وقتنا الحالي، وهي تسبق بتاريخها تاريخ الثورتين الفرنسية والأمريكية بأكثر من قرن، وصيغة هذا الإعلان تثبت أنه من كتابة رجل مثقف يبين أنه سيتم إبطال العبودية وأنه سيتم انتخاب الحكومة الملكية وأنه هو من سيكون الملك.

ابتدأ لامبورد بتشكيل جيشه الخاص الذي سيدعمه وكان يتكون من 400 رجل، وبعد هذا الإعلان تم القبض على لامبورد وسجنه من قبل محاكم التفتيش عام 1642، وواجه محاكمة طويلة، واستمر لامبورد بالكتابة في سجنه بشكل سري وكتب اعتراضات على قانونية سجنه وكتب عن التعذيب والفساد في محاكم التفتيش. استمر في السجن لمده ثماني سنوات قرر بعدها أن يغير هذا الوضع بنفسه، وفي ليلة عيد الميلاد عام 1650، هرب من السجن بطريقة لم يفهمها أحد، وكأنه شبح وتجاوز أسوار السجن نحو الحرية، وقام تلك الليلة التي هرب فيها بتوزيع منشورات في المدينة ووضع ملصقات على باب الكاتدرائية، بطريقة ساخرة من أعدائه، وظل يواصل فضحه لمحاكم التفتيش والمحققين بطريقة بارعة دون أن يكتشفه أحد، ما جعل البعض يظن أنه يتمتع بقوة خارقة. لكنه ارتكب خطأ قاتلا وبقي في المدينة، ما أوقعه في قبضة محاكم التفتيش مرة أخرى وتمت محاكمته مرة أخرى بتهمة الهرطقة، وحكم عليه بالموت حرقا بعد 17 سنة في السجن، لكن لامبورد يصر على تحدي محاكم التفتيش حتى آخر لحظة، حيث تمكن بشكل ما من الهرب في اللحظة الأخيرة من ألسنة النيران وقفز بعيدا عنها ليشنق نفسه بطوق حديدي.

###زورو في الكتابات والسينما العالمية

كثيرة هي الكتب والمجلات الهزلية والروايات التي تحدثت عن شخصية زورو الفريدة، ومن صفحاتها انتقلت الشخصية إلى السينما. وكان أول عمل سينمائي يجسد شخصية زورو هو ذا مارك أوف زورو الذي تم إنتاجه وتسويقه عام 1920م، وقد صنع شهرة كبيرة وأسهم في نشر شخصية زورو بشكل كبير، وبعدها بخمس سنوات تم إنتاج فيلم آخر بعنوان "دون كيوسون أوف زورو"، بعدها عام 1936 فيلم "ذا بولد كاباليرو"، وعام 1939 فيلم "زوروفايتين ليجن". ومن أواخر أفلام زورو وأشهرها على الإطلاق "ذا ماسك أوف زورو". وتلاها بسنوات عديدة فيلم آخر عام 2005 "ذا ليجند أوف زورو". وإلى جانب الأعمال السينمائية الضخمة المجسدة لشخصية زورو توجد الكثير من المسلسلات الأمريكية والأوروبية والمكسيكية التي تقدم شخصية زورو وكذلك المسلسلات الكارتونية التي كانت سببا رئيسا في معرفة واشتهار شخصية زورو عند الأطفال.

الأكثر قراءة