«الديدحان» غير شقائق النعمان
كتب الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري قصيدته الرائعة "يقول من عدّا"، التي من ضمنها الأبيات البديعة:
متى تربع دارنا والمفالي
وتخضر فياض عقب ماهيب يباس
ونشوف فيها الديدحان متوالي
مثل الرعاف بخضر مدقوق الالعاس
ينثر على البيدا سواة الزوالي
يشرق حماره شرقة الصبغ بالكاس
فذاعت شهرة نبات الديدحان، وكان الكثير من الأوائل يعرفونه حينها، لكن جهله كثير منا، ولما غنّى محمد عبده هذه القصيدة ازدادت شهرة الديدحان وكثر التساؤل عنه. وسأشرح البيت الثاني للتقريب: خصر: وجمعه خصور، سلك فيه خرز تتحلى به النساء. مدقوق: دقة الوشام. الالعاس: الشفاه. أما الديدحان، وهو موضوعنا فقد جاء في "موسوعة الثقافة التقليدية" أنه: نبات متباين الشكل يحمر لونه بسبب آفة ممرضة، أوراقه شريطية، والأزهار حمراء وبتلاتها سريعة السقوط، وبه درجة ملحوظة من السمّية ويتوخى الحذر في التعامل معه. وذكروا في الموسوعة أنه نفسه نبات "شقائق النعمان" المعروف في كتب التراث واللغة والنبات، لكن بعض العارفين من أهل شمال السعودية ينكرون ذلك، ويرون أن نبات الديدحان شبيه بشقائق النعمان وليس هو، وقد أكد لي ذلك المؤرخ عبدالرحمن السويداء. وهناك نبات يرد ذكره في معاجم اللغة وكتب الشعر اسمه الشَّقِرة، واختلف علماء اللغة هل هو شقائق النعمان أم نبات يشبهه، وفيه يقول الشاعر:
وقد أحمِل الرمحَ الأصمَّ كعوبُه
بهِ من دماءِ القـوم كـالـشَّـقِـراتِ
ويرى بعض الباحثين أن نبات الشقرة هو الديدحان، وهو اجتهاد منهم.
وفي معلومات الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها عن الديدحان ذكروا أن له عددا من الأسماء المحلية والشائعة والإقليمية منها: (المغزرة)، (البختري)، (الحسار). والاسم العلمي هو (roemeria hybrida) ويتبع الفصيلة الخشخاشية. كما ذكروا أنه ينبت في أواخر الشتاء في السنوات غزيرة المطر، وأن منابت الديدحان الفياض وأطراف الريضان، كما ذكروا أن نبتة الديدحان تتشابه مع شقائق النعمان في حمرة زهرها. ورغم أن بعض معلومات الهيئة تحتاج تدقيقا أكثر، فإنهم نبهوا إلى أن الديدحان مشابه لشقائق النعمان وليس هو.
وتعرف نبتة الديدحان باسم زهرة الشمال، وتنتشر في منطقة الجوف وقت الربيع.
وقد لفت الديدحان نظر الشعراء، فإضافة إلى أبيات الأمير السديري السابقة نجد الشاعر مليح بن مريبد الغضوري يذكر شدة حمرة زهرة الديدحان عند وصفه للسيوف فيقول:
من فوقهم من صنع داود تفصيل
يشدا لنور الديدحاني صوابه
ويصف الشاعر مضحي الصانع الفرسان الذين يلبسون الشهر الحمراء، وهي من لباس الفرسان فيقول:
اللي شهرهم كنها الديدحاني
وسيوفهم مثل البروق بمطر صيف
كما يصف الشاعر شالح بن هدلان الخيل بقوله:
شلفا معودها لجدع المشاهير
يوم السبايا كنها الديدحان
وتستخدم نبتة الديدحان في الطب، لكن استخدامها بشكل كبير له مفعول ضار، وقد حذرت وزارة الصحة السعودية من كثرة استخدامها، وجاء في بيانها: "تستخدم هذه النبتة كمُسكن وطارد للبلغم في حالات السعال ونزلات البرد، كما أن لها مفعول المنوم والمهدئ". وأضافت وزارة الصحة: "بذور نبتة الديدحان آمنة، إلا أن أزهارها تكون سامة إذا استخدمت بشكل كبير". ونبهت الوزارة إلى أن أزهار الديدحان يجب ألا تستخدم إلا تحت إشراف متخصص في الطب البديل لمراقبة الكميات المستخدمة، مؤكدة ضرورة ألا يستعملها الأطفال أو الحوامل أو المرضعات أو كبار السن. وقد أشارت الوزارة في بيانها إلى أنه لا توجد حتى الآن دراسات كافية بشأن نبتة الديدحان.