موازنة 2016 .. تحول وتحولات وإثبات القدرة على رفع الإيرادات غير النفطية
لعل الإنجاز اللافت وذا الدلالة، الذي لطالما تمنينا حدوثه، قد بدأت بوادره في التحقق في ثنايا العام 2015 وهو نمو الإيرادات غير النفطية نموا لافتا، إلى 163.5 مليار ريال في عام 2015 من 126.8 مليار ريال في عام 2014، وبنسبة 28.74 في المائة. والأمر الآخر ذو الدلالة القفزة النوعية في إعداد بيان وزارة المالية، من حيث الشفافية والوضوح.
أما التحدي الذي لف هذه العام برمته، فقد انعكست سمته بوضوح في برنامج طموح قوامه 14 نقطة وعنوانه "الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية"، هو برنامج عمل للسنوات الخمس المقبلة للتحول، تتناول التخطيط المالي، ومراجعة سياسات المالية، ورفع كفاءة الانفاق الرأسمالي، ورفع كفاءة الانفاق التشغيلي، والعمل على الحد من تنامي المصروفات الجارية، وتحديث نظام المنافسات الحكومية، وتحسين إدارة الأصول الحكومية، واتخاذ مجموعة من السياسات لتحقيق إصلاحات هيكلية للاقتصاد الوطني، وإعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية، مراجعة وتقييم الدعم الحكومي، مراجعة مستويات الرسوم والغرامات، وتطوير وحدة للدين العام في وزارة المالية، وتحسين مستوى التواصل بين الجهات المعنية بتنفيذ الإصلاحات المالية.
لأي ميزانية من رؤية ترتكز إليها، وبالإمكان اللجوء للعموميات حول التنمية والنمو، لكن في الظروف التي تعايشها المملكة، وما تسعى لتَدَبره من ضغوط هائلة على الخزانة العامة إنفاقا وإيرادا، يصبح اللجوء للعموميات هروبا. إذ لا بد من رؤية تتصل بالواقع الراهن والظرف المعيش، واهتمامات الوطن والمواطن؛ فتلك الاهتمامات –حاضرها وقادمها- تمثل العناصر الأساس للرؤية. فضلا عن أن هذا العام هو بداية عهد جديد، انطلق بزخم متحفز يسعى للإنجاز وتحقيق نتائج ملموسة دونما تباطؤ.
#2#
فيه خطابه في مجلس الشورى الأربعاء الماضي، بيّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رؤية محددة ترتكز على ثلاثة محاور:
الأول، رفع كفاءة الانفاق الحكومي، والثاني، الاستفادة من الموارد الاقتصادية، والثالث، زيادة عوائد الاستثمارات الحكومية. إذ ورد في الخطاب الملكي ما نَصه، "ورؤيتنا في الإصلاح الاقتصادي ترتكز على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاستفادة من الموارد الاقتصادية وزيادة عوائد الاستثمارات الحكومية، ولقد وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بوضع الخطط والسياسات والبرامج اللازمة لذلك، فبلادنا -ولله الحمد- بلاد خير وعطاء".
كما أطرّ الملك –يرعاه الله- العناصر الأولية لتنفيذ تلك الرؤية، لتصبح واقعا ملموسا؛ انطلاقا من أن الاهتمام برفع الكفاءة وبتوظيف الموارد الاقتصادية وبزيادة العوائد ليست محاور تجريدية، إذ إن الاهتمام بها ليس لذاتها بل لما يمكن أن تجلبه من منافع للوطن وللمواطن، عبر السعي لتحسين الواقع. وهكذا، فقد تناول الملك –يرعاه الله- في خطابه تحت قبة الشورى تناولا محددا وواضحا لعناصر السياسة الاقتصادية للسنوات الخمس المقبلة، التي يمكن تلخيصها كالتالي:
1 - تأكيد الالتزام بما جاء في خطة التنمية العاشرة التي بدأت هذا العام، بأنها ارتكزت على قاعدة اقتصادية تنموية راسخة ومواكبة للتطلعات ولأهم المستجدات والتحديات.
2 - ترمي الخطة إلى رفع مستوى الناتج المحلي، وترسيخ دعائم التنمية الاقتصادية الشاملة، وتنمية القوى البشرية، ورفع معدلات توظيفها، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية.
3 - متابعة نجاح سير العمل ورفع مستوى الأداء.
4 - إنشاء المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية.
5 - تحسين السوق التجارية السعودية، وتكوين بيئة جاذبة للعمل والاستثمار للشركات الوطنية والأجنبية، وتبسيط الإجراءات وتسهيل الاستثمار في السوق السعودية.
6 - فتح نشاط تجارة التجزئة والجملة للشركات الأجنبية سعيا لتنويع السلع والخدمات التي تقدم للمواطنين وتوفيرها بجودة عالية وأسعار تنافسية مناسبة، وفتح فرص جديدة للعمل والتدريب للشباب السعودي.
7 - الدولة مسؤولة عن توفير الرعاية الصحية اللائقة للمواطنين، ولقد واصلنا توفير أوجه الدعم لهذا القطاع، البشرية والمالية، ما أسهم في رفع مستوى هذه الخدمة مع تطلعنا إلى استمرار الارتقاء بها.
8 - وفرت (الدولة) كل الإمكانات والمتطلبات اللازمة لرفع جودة التعليم وزيادة فاعليته ورفع مستوى منسوبيه وإكسابهم المهارات المطلوبة.
9 - تم التركيز في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي على المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة العمل بحيث يسهم في سد الفجوة باحتياجات سوق العمل من بعض التخصصات وبخاصة الطب وغيره من التخصصات العلمية.
10 - اعتمدت (الدولة لقطاع الإسكان) ميزانيات ضخمة، حيث وفرت كل وسائل الدعم اللازم لتوفير السكن الملائم للمستحقين.
11 - تعزيز دور القطاع الخاص ليكون شريكا مكملا لجهود الحكومة في تحقيق هذا الهدف (الإسكان)، كما سعت إلى إيجاد توازن بين العرض والطلب، وتحفيز ملاك الأراضي على تطويرها والاستثمار فيها بما يسهم في سد الاحتياج المتزايد للسكن، وتأتي موافقتنا على نظام رسوم الأراضي البيضاء سعيا لتحقيق هذا الهدف.
12 - قطاع العمل والموارد البشرية يحتل مركزا متقدما في سلم أولويات الحكومة، التي استمرت في تحديث ترتيباتها الإدارية والمالية وبرامجها.
13 - في إطار رفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية وموظفيها تم إطلاق برنامج لتنمية الموارد البشرية.
14 - أنشأت الحكومة أخيرا هيئة توليد الوظائف لدعم التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل، وتعزيز المشاركة بينها، والعمل على تنمية القطاعات المولدة للوظائف واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض.
15 - وكذلك أنشأت (الحكومة) الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
16 - وأنشأت (الحكومة) البرنامج الوطني لدعم إدارة المشروعات في الجهات العامة.
17 - اهتمت الدولة بتوسيع مشاركة المرأة في التنمية بما لا يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف، وقد أثبتت المرأة السعودية كفاءتها وقدرتها على أداء دورها في المجالات المختلفة، ومن ذلك مشاركتها الفاعلة في الانتخابات البلدية التي أجريت أخيرا.
18 - قطاع النقل هو عصب التنمية، ضخت الحكومة مبالغ كبيرة في سبيل توفير بنية الطرق في المملكة، واستمرت مشروعات النقل في التطور والتنوع، فزادت مشروعات الطرق بين مدن المملكة، واعتمدت مشروعات قطار الحرمين، ومشروعات الشركة السعودية للخطوط الحديدية، ومشروع الملك عبد العزيز للنقل العام بمدينة الرياض.
سبعة عقود من التنمية
لكل أزمة أدواتها؛ فقد تلقت بلادنا استخراج النفط بإطلاق برنامج تنموي في منتصف الأربعينيات الميلادية، وفي بداية السبعينيات أعلنت أول خطة خمسية لتنويع مصادر الاقتصاد الوطني. ورحبت بلادنا بالألفية الجديدة بالإعلان عن برنامج اصلاح اقتصادي وإعادة للهيكلة ومنظور استراتيجي طويل المدى حتى عام 2024، وعندما اجتاحت الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009 العالم من أقصاه إلى أقصاه، فواجهته المملكة بكل ثقة وحزم ببرنامج تنموي قوامه 400 مليار دولار لحفز الاقتصاد السعودي، بالرغم من أنف النفط الذي انهار سعره آنئذ إلى نحو 35 دولارا للبرميل.
وفي لحظاتنا هذه، والنفط يستعرض بهلوانيات الهبوط تعد المملكة العدة لبرنامج التحول الوطني. مسار النفط متعب بالفعل، فقد تراجعت أسعاره –تراجعا كبيرا- منذ النصف الثاني من عام 2014، إلا أن ميزانية العام المالي (2015) الذي يعيش أيامه الأخيرة، صدرت منحازة لخيار استكمال البناء التنموي ليشمل البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وهو خيار ينطوي على تكاليف هائلة وتحديات جسيمة، لكن المؤمل أن يؤدي –بإذن الله- للانعتاق من ربقة إيرادات النفط؛ باعتبار أنها تتصل بمستقبل البلاد وقدرتها على تعزيز استقرارها وازدهارها من جهة، والتعامل مع ما يحيط ببلادنا من بؤر وقعت فريسة للعنف والإرهاب من جهة أخرى، إضافة لذلك ضرورة ارتقاء المملكة درجات بتنافسيتها ومؤشرات أدائها الاقتصادي، فهي عضو مؤثر في مجموعة الاقتصادات الكبيرة في العالم (مجموعة العشرين)، ومن أهم أقطاب التجارة السلعية في العالم، وتمتلك الاقتصاد الأكبر في محيطها من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
عهد جديد
الخيار الذي اتخذته المملكة بداية عام 2015، لم يك مجرد الاستمرار بالإنفاق للارتقاء بالتنمية والنمو، بل كان قرارا أعمق مؤداه الاحتفاظ بالمبادرة وعدم إهدار أي وقت. فكما هي سجيته المعهودة عبر تجربة إدارية قاربت ستة عقود، لم يضع الملك سلمان بن عبدالعزيز أي وقت؛ فقد أتى متأبطا برنامج عمل طموح، إذ ما لبث أن أعلن بداياته مع الساعات الأولى لتوليه مسؤولية الحكم، فمن التتابع المشاهد يتضح سَمت الأولويات الهادف لتعزيز الاستقرار في البلاد، فالاستقرار هو شرط مسبق لتحقيق أي تنمية اجتماعية أو نمو اقتصادي، ومن ضمنها هيكلة السلطة التنفيذية، متمثلة في مجلس الوزراء والأجهزة المنبثقة عنه، لتتجسد تلك الخطوة بدمج لوزارات وإلغاء لأجهزة، وإعادة تشكيل مجلس الوزراء برمته، بهدف تركيز السلطات ضمن المؤسسة السلطة التنفيذية (أي مجلس الوزراء)، ولم يعن ذلك مركزية مطبقة، بل مأسسة للتفويض من خلال إنشاء مجلسين متخصصين، أشبه ما يكون بمجلسي وزراء مصغرين متخصصين، لا ينفصلان عن المجلس الأساس، بل يحضران ويعدان ويمحصان البنود ضمن سياقات اختصاصتهما، لتعرض مرئياتهما على مجلس الوزراء للبت فيها، الأول يتناول الشأن السياسي والأمني، والثاني يتعمق في الشأن الاقتصادي والتنموي.
وهكذا، نجد أن النهوض للتحديات أمر لم يك محل أخذ ورد مع بداية عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقد وظف تجربته الثرية والتصاقه بالشأن العام، وقربه من المواطنين لعقود ممتدة، ليترجم رؤيته إلى أفعال تحركها على أرض الواقع وسائل مهمتها أن تتعامل مع التحديات المتربصة بنا، التي لا سبيل إلا لمجابهتها بجسارة تستند إلى ثقة وحزم يرتكزان لرؤية متماسكة.
رفع كفاءة الأداء الحكومي
وبعد أن حسم الملك سلمان –يرعاه الله- عديدا من القضايا الارتكازية مبكرا، يبرز تنفيذ ما صدر من قرارات شاملة كتحدٍ عنيد، يتطلب القيام به درجات عالية من الإصرار حتى تصبح الأهداف واقعا، فالعبرة دائما بالنتائج. وهنا، وبناء على ما تقدم، فلعل من المناسب الاستنتاج أن أحد نتائج القرارات الملكية التي صدرت بداية هذا العام (2015) هو إعادة "تمركز" أجهزة السلطة التنفيذية بما يمكنها من التخلص من الترهل الذي أعاقها عن تنفيذ سيلا متتابعا من المشاريع التنموية فتراكمت آلافا! وتحقيق رفع كفاءة الأداء الحكومي سيعني:
1 - تمكين الوطن وأهله من حصاد منافع المشاريع التنموية –دون طول انتظار- لتنعكس إيجابا على الوطن والمواطن. و2 - تدفع قدما مكانة بلادنا اقليميا ودوليا. 3 - ترتقي بتنافسيتها الاقتصادية. 4 - تحصن مصالحها الاستراتيجية.
وقبل إسدال هذا العام (2015) لأستاره، أماط مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية اللثام عن مبادرة جوهرية، هي برنامج التحول الوطني. وما أعلن، فالبرنامج استراتيجي في مداه، وطموح في أهدافه؛ يتأهب للإبحار في مياه جديدة، ويسعى للقفز فوق محابس النفط والرّيع، ليحارب الفساد ويعزز الشفافية، وليحط رحاله في رحاب الإنتاجية والازدهار والاستدامة.
«ماكنزي» ومحاولات التحول
وعلى صلة ببرنامج التحول الوطني، أصدرت الدار الاستشارية "ماكنزي" تقريرا عن المملكة بعد النفط. تقرير ماكنزي شخص وسَبَرَ، لكنه لم يأت بجديد لا تعرفه أدبيات التنمية والنمو السعودية. وإن جادل أحد أن التقرير أتى بجديد، فلعل من المقبول الرد بأن التشخيص الدقيق والوصفات الحصيفة –على أهميتها- لا تحدث تنمية ونموا، بل يحدثهما التنفيذ الحاذق والمتحرق وصولا للنتائج المستهدفة. وطلبا للإيضاح، فشركة ماكنزي هي من أعرق بيوت الخبرة العالمية، تأسست قبل نحو 90 عاما من قِبَل أستاذ في جامعة شيكاغو المرموقة، ويربو عدد موظفيها حاليا على 17 ألفا، ولها أكثر من 100 مكتب في أنحاء العالم، وقد تجاوزت إيراداتها 8 مليارات دولار في عام 2014.
وتقرير "ماكنزي" هو الجهد الاستراتيجي الثاني خلال الألفية الثانية، فقبل قرابة 13 عاما، في أكتوبر 2002، نظمت وزارة الاقتصاد والتخطيط في الرياض ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي، التي قدم فيها 120 ورقة على مدى أربعة أيام، كانت مرتكزا لإطلاق المنظور الاستراتيجي للاقتصاد السعودي 2024، الذي نشر كوثيقة، واستخدم كأساس للتخطيط التنموي للخطط الخمسية الثامنة والتاسعة والعاشرة.
وفي ذاك الوقت بيّن وزير الاقتصاد والتخطيط آنئذ أن المزايا النسبية الوطنية الحالية لا تتمتع بأية ضمانات، إذ يمكن للمتنافسين من خلال الابتكار والتكنولوجيا والمعارف الفنية المتقدمة وحداثة التنظيم والإدارة محاكاة المزايا النسبية وصياغة مزايا تنافسية جديدة تعدل من أوضاع الاسواق والمعاملات ويستلزم ذلك أن نبني ركيزة الرؤية المستقبلية على قاعدة امتلاك المزايا التنافسية والسعي إلى تطويرها وتدعيمها بشكل دائم ومستمر. وأضاف أن الحاجة لتنشيط تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عديد من القطاعات والأنشطة، أصبح ضرورة ويتطلب ذلك تهيئة البيئة والمناخ بالقدر اللازم لتشجيعها وبصفة خاصة التدفقات المصاحبة للتقنية المتقدمة والمعارف الفنية المتطورة والقدرات التسويقية للتصدير ما يستلزم ذلك أن تشتمل الاستراتيجية التنموية طويلة الأجل على منظومة متكاملة من السياسات والتشريعات والآليات القادرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بالمعدلات المطلوبة واللازمة وفق أولويات التخطيط الاستراتيجي مع الاستفادة من تجارب الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية بكل إيجابياتها وسلبياتها لتحديد الإطار الأمثل للمصالح الوطنية المشروعة.
وتلخص، آنئذ (2002)، هدف الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي رسميا في الوصول، لاقتصاد متنوع ومزدهر يضمن توفير فرص عمل مجزية ورفاهية اقتصادية لجميع المواطنين السعوديين وتوفير التعليم والرعاية الصحية الجيدة للسكان وتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة مع المحافظة على القيم الإسلامية والتراث الثقافي للمملكة.
ومن خلال تلك الرؤية ودراسات معمقة أخرى اعتمد المنظور الاستراتيجي للاقتصاد السعودي، وأصبح أساسا للتخطيط بعيد المدى، حتى لا تصبح إطلالتنا على المستقبل محصورة في خطط خمسية منفصلة، ومن ذاك المنطلق، كان المنظور يخضع لمراجعات متتابعة، فعلى سبيل المثال ذكرت وثيقة الخطة الخمسية التاسعة في منهجية إعدادها أنه، "تزامنا مـع إعـداد خطة التنمية التاسعة، تمت مراجعة الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني حتى عام 45/ 1446 هــ (2024) وتطويرها، في ضوء المستجدات الاقتصادية المحلية، والتغيرات الاقتصادية الدولية، والتوقعات الخاصة بالمسار المستقبلي لبعض المتغيرات الاقتصادية ومنها التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة.
ومن الجوانب التي شملتها المراجعة، تحديث قواعد البيانات التي ترتكز عليها العناصر المكونة لمؤشر نوعية الحياة في الاستراتيجية، والعناصر المكونة لمؤشر تنمية المناطق. كما تمت الاستفادة من الاستراتيجيات القطاعية المعتمدة، ومنها:
الاستراتيجية الوطنية للصناعة، والاستراتيجية العمرانية الوطنية، والسياسة الوطنية للعلوم والتقنية، واستراتيجية التخصيص، والخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات، والاستراتيجية الوطنية للتوظيف، واستراتيجية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار وغيرها".
وتجدر الإشارة إلى أن للمنظور الاستراتيجي بعيد المدى أهدافا كمية محددة، في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسوق العمل، ومساهمة القطاع الخاص، ومساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي؛ وتحديدا أن تنمو قوة العمل الوطنية إلى 11.850 مليون مواطن ومواطنة بحلول عام 2024 وأن تحقق معدل نمو سنوي متوسطه 8.2 في المائة خلال الفترة، وأن تنمو مساهمة القطاع الخاص لتصبح 69.3 في المائة بحلول عام 2024، وأن يحقق الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو سنوي متوسطه 6.6 في المائة خلال الفترة المنتهية في عام 2024 لتصبح قيمته 2.542 تريليون ريال بنهاية 2024 بالأسعار الثابتة لعام 1999.
القصد، أننا اليوم نحقق قفزة تضاف لتجربتنا الوطنية في إعداد برامج استراتيجية لحفز النمو والتنمية التي امتدت لنحو سبعة عقود، وأن هذا وقت كلام أقل وفعل أكثر، فالعبرة –كما ندرك جميعا- بالإنجاز على الأرض، وعلينا تذكر أنه على الرغم من ضخامة الاقتصاد السعودي (نحو 750 مليار دولار)، إلا أن إيرادات الخزانة العامة غير النفطية قدّرت بأقل من 31 مليار دولار نهاية عام 2014 وفي هذا اليوم اتضح أن بوسعنا زيادة هذه الإيرادات زيادة جوهرية خلال عام واحد، وبأكثر من الربع ومنذ العام 1970 وخططنا الخمسية تتخذ تنويع الاقتصاد ومصادر الخزانة هدفا لها، غير أن التنفيذ –بعد مرور 45 عاما- لم يلامس التطلعات! واليوم، ومع إعلان برنامج عمل محدد النقاط والمعالم ندرك أننا نقترب أكثر ليصبح الحلم حقيقة، بما يحقق التطلعات باقتصاد متنوع ومنافس، وإيرادات خزانة مستقرة متحررة من تقلبات النفط.
وهكذا، فعلى الرغم من جودة تقرير ماكنزي، إلا أنه لم يجلب جديدا، وليس من الانصاف مطالبته بذلك. فالجديد نجلبه نحن؛ وسيتجسد في:
1 - كفاءة التنفيذ و2 - شفافية التنفيذ، و3 - المحاسبة عند قصور التنفيذ عن المستهدف. فلقد تحدثنا على مدى نصف قرن عن التنويع، ودبجنا خططا وتقارير ودراسات متميزة في مجملها، لم نلتزم بتنفيذها، ولم نوضح لما لم نلتزم بتنفيذها فلعل الجديد الآن أن "نحفر أهدافنا في الصخرّ" حتى لا ننساها مع مرور الوقت. والأمل معقود على تنفيذ برنامج الإصلاحات خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يرفع الكفاءة ويضع اقتصادنا وماليتنا العامة في أفضل أوضاعها معتمدة على الإنتاج وليس عوائد الريع.