العجيري.. وشاعر العارض

حفظ التاريخ لنا أخبار رواة ضرب فيهم المثل في سعة الحفظ وقوة الذاكرة، ويتميز بعض هؤلاء الرواة بأنهم لا يتحدثون إلا عند المناسبة، كما يتميز بعضهم بعدم تكراره الحديث.
ومن رواة العصر الحديث الشيخ عبد الله بن أحمد العجيري (ت1352هـ)، الذي وصف بأنه راوية عصره وأعجوبة دهره، في العالم العربي، وذكر عنه يوسف ياسين، مستشار الملك عبد العزيز، وأول رئيس تحرير لجريدة "أم القرى": أنه صحب الملك عبد العزيز في بعض أسفاره، ووصف يوسف ياسين إحداها وهي إلى مكة المكرمة عام 1343هـ، واستمرت قرابة الشهر، فذكر أن العجيري كان يروي لهم من ذاكرته آيات وأحاديث وأخبارا وأشعارا وقصص العرب، كل ليلة في باب من الأبواب، وأنه ما أعاد طيلة الرحلة شيئا منها.
ومن كمال الرواية أن يكون الكلام في موضعه، أو على حد تعبير المثل الشعبي: "السوالف تنقاد"، أو كما يقول المثل العربي: "الشيء بالشيء يذكر"، فلا يشذ أحد الحضور بحديث لا ينسجم مع السياق العام للموضوع الذي يتحدث فيه الآخرون، فيشتت أفكارهم، ويعكر صفو أمزجتهم.
تذكرت ذلك لموقف حدث معي في الأيام الأخيرة، فقد عرفت الشاعر المبدع المتألق فهد المبدل، شاعر العارض، عرفته منذ 20 عاما، وجلسنا معا مئات المرات، تحدثنا خلالها منفردين أو مع آخرين في صنوف التاريخ والأدب والشعر، وكنت ظننت، والظن أكذب الحديث، أني عرفت عنه كل شاردة وواردة، لكن في لقائنا الأخير مع بعض الأصدقاء، بدأنا في الحديث عن شعر القلطة، وكانت المفاجأة عندما بدأ شاعر العارض يحدثنا عن بداياته الشعرية، وهو في سن المراهقة، وأنه كان ينظم شعر القلطة، وأنه دخل الملعبة وحاور كبار شعراء القلطة، وروى لنا بعض ما وعته ذاكرته من هذه الأشعار. ولم أكن أعرف قبلها أنه نظم هذا النوع من الشعر، ولم أسمع منه قبلها بيتا من منظومة أو محفوظة في القلطة، ولكن السالفة انقادت فحدثنا بذلك.
وفي فنون الحديث يقول الشاعر ابن مسعر العاصمي، من شعراء النصف الثاني من القرن الـ13 الهجري:

والله ما أطرب وينساح بالي
إلا إلى من قام يزجر فحلها
وأشوف حيران النياق الغوالي
تدرج ونار الربع يوضى شعلها
في مجلس والربع ربع رجالي
والسالفة وإن جات ما أحد شقلها
ترى السوالف يا ذهان الرجالي
تسمج ليا عرضت على غير أهلها

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي