النخوة والاعتزاء عند العرب
عرفت العرب النخوة والاعتزاء منذ الجاهلية وما زالت مستخدمة حتى يومنا هذا، والنخوة والاعتزاء مصطلحان مختلفان يدلان على معنى متقارب مرتبط بالحرب. ويذكر ابن منظور في (لسان العرب) أن العزوة اسم لدعوى المستغيث كأن يقول "يا لفلان" أو يا للأنصار، أو يا للمهاجرين، واستشهد بقول الراعي النميري:
فلما التقت فرساننا ورجالهم
دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر
والنخوة ترد بمعنى الافتخار، يقال "انتخى فلان علينا أي افتخر وتعظم، ويرى الثعالبي في (ثمار القلوب) أن العرب تتميز بالنخوة عن سائر الأمم، لذلك تنسب إليهم فيقال: (نخوة العرب)، لكننا نجد في (الهوامل والشوامل) لأبي حيان التوحيدي ما يدل على خلاف ذلك وأنها شاملة للعرب والعجم.
يقول الدكتور عبدالرحمن الشقير: والذي يبدو أن فكرة النخوة والاعتزاء بسيطة في ذاتها باعتبار أنها تقع ضمن دائرة القوانين القبلية أو قوانين البادية البدائية، فكانت إجابة النخوة والاعتزاء أصلا من الأصول التي قد تخدم مروءة من يتجاهلها.
وقد كانت هذه المبادئ معروفة عند العرب في الجاهلية في مجال الحروب والغارات المفاجئة، ولما جاء الإسلام هذب فكرة النخوة والاعتزاء ونبذ اعتزاء الجاهلية المبني على العصبية القبلية المقيتة، ففي الحديث أن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا..).. ولا شك أن هنالك استثناءات تجوز فيها النخوة والاعتزاء، خاصة إذا ارتبطت بدفع ظلم، أو نصرة الحق، ففي الحديث الآخر أن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ قال: (من لم يتعز بعزاء الله فليس منا). وهناك قصص كثيرة في تاريخ جاهلية العرب وفي التاريخ الإسلامي عن تأثير النخوة فيهم، وتحريكها لهممهم وعزائمهم، وأثرها في بعث الحماسة في نفوسهم، فمن ذلك اعتزاء عمرو بن سالم الخزاعي برسول الله- عليه الصلاة والسلام- واستنجاده به لما نقضت قريش وبكر العهد واعتدوا على خزاعة، ونصرة رسول الله- عليه الصلاة والسلام له. وفي حروب الردة انتخى ثابت بن قيس بقبيلة طيء باسم عدي بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل، فكانت نخواتهم واعتزاؤهم من أسباب تجمعهم وتماسك صفوفهم.
وقد أقر الإسلام ما كان منها صالحا وفيه إشاعة الحق، ونبذ ما كان للتباهي فقط، أو ما كان للظلم والاعتداء.
وقد استمر استخدام مصطلحات النخوة والاعتزاء والشعار عند القبائل العربية المتأخرة بمعنى واحد، فقد جرت النخوة عندهم بمعنى الاعتزاء الذي هو الشعار في الحروب حتى صار لكل فريق من العرب مفخرة يذكرونها عند الاعتزاء، بل لكل فرد منهم نخوة يعتزي إليها.
وقد تتبع شكيب أرسلان نخوات عشائر الشام وسماها الاكتناء، وأشار إلى أن هذا اسمها عند المتقدمين ولكنه لم يذكر مصدره.
وقد تسمى أيضا صيحات الحرب ويتحتم على كل من يسمع الصيحة أو الاعتزاء الخاص بقومه أن يجيب النداء وينتخي بما يوحي بالتلبية، ويعاب على من يسمع الاعتزاء ويتجاهله إلا في حالة الاعتزاء أن يعتزى به على أحد من قومه كان يقع خلاف بين بطنين أو فخذين من قبيلة واحدة، فلا يحق لأحد أن يعتزي بصيحة الحرب الخاصة بالقبيلة ضد الآخر.
وربما استهدفت صيحة الحرب إرهاب الخصم، ويستفاد منها أيضا في تحقيق تمييز الصديق من الخصم عندما يسود الاضطراب أرض المعركة، لأن كل رجل يندفع للقتال وهو يغطي وجهه بحيث لا يرى منه سوى عينيه، وذلك لعدم وجود زي موحد يميز المتحاربين.
وقد تردد مصطلح الاعتزاء والنخوة في الشعر الشعبي، وتسمى أيضا الصيحات، أثناء فترة الفوضى التي عاشتها الجزيرة العربية في السابق.. يقول حمدان الشويعر:
وأحب صياح القيظ ورد وصادر
وصياح غارات الربيع تروع
ويقول ضيف الله بن حميد:
لا صاح صياح الضحى جن حثلـوم
الخيل بالفرسـان عجـل همايـم
وأصبحت النخوة والاعتزاء تستخدم في غير مجال الاعتزاز بالنفس، واستفزازها في الحرب، فهي تستخدم أيضا عند الغضب في السلم، وفي حالتي الانتفاض والفخر، وتقال كذلك عند الاستغراب والتعجب، وينتسب الرجل عند الاعتزاء إلى ما يفتخر به في مجتمعه مثل خيله أو ناقته كان يقول: خيال كذا، أو راعي كذا، ويسمي خيله أو ناقته. وكذلك قد يستخدم بعض مصطلحات القرابة والنسب مثل: أخو فلان أو فلانة، أو ابن كذا، أو ولد أو أولاد كذا، أو أهل كذا، وقد ينتخي الرجل بمن استجار به كقوله: ما عند دخيلي غيري.. وهكذا.