مستقبل الأسواق الثانوية وأدوات الدين في المملكة
ينتظر أن يكون العام الجاري انطلاقة لبدء توسيع قاعدة الأدوات المالية في السعودية بالمشتقات المالية أو بسوق للسلع.. فما السو ق الأولية؟:
السوق الأولية والسوق الثانوية هي سوق تتيح للمستثمرين الاستفادة من مجموعة من الأوراق المالية والاستثمارات من خلال أسواق منظمة تشرف عليها مؤسسة حكومية بغرض متابعة وتسهيل عملية التسجيل والتداول، وتحفظ حقوق المستثمر وتضع التشريعات التي تهدف إلى تعزيز كفاءة السوق، وتعريف السوق الثانوية أو ما يسمى (Secondary Market) كما جاء في الموسوعة العالمي ويكيبيديا (Wikipedia)
“The secondary market, is the financial market in which previously issued financial instruments such as stock, bonds, options, and futures are bought and sold. Another frequent usage of “secondary market” is to refer to loans which are sold by a mortgage bank to investors such as Fannie Mae and Freddie Mac. “
فالمقصود هنا بالسوق الأولية هي السوق التي يتم تداولها من غير الجهة المصدرة لها وهو ما يحصل حاليا في الأسهم التي يتم شراؤها من السوق المالية باعتبار أن هذه الأسهم يملكها جهة ليست هي الشركة أو البنك الذي أصدرها أولا، ويدخل في ذلك مجموعة من الأدوات والأوراق المالية مثل الأسهم والسندات والصكوك الإسلامية وعقود الخيارات والبيوع المستقبلية والعقدين الأخيرين يصنفان ضمن عقود ما يسمى بالمشتقات المالية، وتعريف السوق الثانوية يدعونا إلى معرفة السوق المقابلة لها وهي ما يسمى بالسوق الأولية، وكما جاء أيضا في تعريفها في الموسوعة العالمية:
“In the primary market, investors purchase these securities directly from issuers such as corporations issuing shares in an IPO or private placement, or directly from the federal government in the case of treasuries. After the initial issuance, investors can purchase from other investors in the secondary market.”
فالسوق الأولية تعني شراء الأدوات المالية من الجهة المصدرة لها مثل الشركة المساهمة عندما تعلن الاكتتاب في أسهمها، أو الشركات التي تطرح سندات أو صكوكا طرحا عاما عند إصدارها، وبعد بيع هذه الإصدارات يتحول تداولها إلى السوق الثانوية. والسوق الثانوية أصبحت اليوم جزءا من مكونات اقتصادات الدول ومؤشرا على المتغيرات الاقتصادية، وتنظيم هذا السوق ووضع التشريعات التي تزيد من كفاءتها له دور في توفير فرص جيدة للأفراد للاستثمار وتنمية مدخراتهم على المدى الطويل والقدرة على مواجهة المتغيرات مثل التضخم الذي يؤدي إلى تآكل دخل الفرد إذا لم يكن لديه مصادر أخرى لزيادة الدخل، وهي في المقابل تتجاوب بصورة إيجابية غالبا مع التضخم باعتبار أنه قد يزيد في موارد الشركات الجيدة، أما بالنسبة للشركات فإن السوق الأولية تعتبر فرصة لها للاستثمار أو طرح جزء من أسهمها كي يتداوله المستثمرون إضافة إلى أنه يعزز من مركز الشركة باعتبار أن إدراج أسهمها في السوق قد يقوي مركزها المالي وتصنيفها بما يمكنها من التوسع في الاقتراض وزيادة استثماراتها في مجالاتها الرئيسة، وحوكمة الشركة بما يعزز من فرص استدامة أعمال وأنشطة الشركة. السوق المالية السعودية تطورت بصورة كبيرة في الفترة القصيرة الماضية فبعد أن كانت سوقا يغلب عليها تداول الأفراد بما يؤثر في كفاءة السوق، وزيادة تذبذبها بصورة غير منطقية والتركيز في التداول على شركات دون وجود معايير تحدد السعر المنطقي لسقفه الأعلى والأدنى وذلك يتم بصورة مبالغ فيها عملت الجهات التنظيمية والتشريعية على خطوات تحد من هذه الممارسات التي تعكس صورة سلبية عن السوق، وذلك من خلال التشريعات التي تشجع التداول بصورة إيجابية في السوق وليس بالتضييق على تداولات الأفراد، فنظمت الجهات التشريعية نشاط البنوك الاستثمارية وألزمت بالفصل بين البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية ووفرت بيئة إيجابية لإنشاء مزيد من البنوك الاستثمارية للعمل كوسيط والاستثمار في السوق المالية، إضافة إلى إنشاء الصناديق التي يمكن أن يشترك فيها الأفراد والمؤسسات بحيث تمارس نشاطا محددا مثل الاستثمار في سوق الأسهم أو في الاستثمارات العقارية أو غيرها من الأنشطة التي يمكن أن توفر فرصا أكثر أمانا للمستثمر وتدار بصورة أكثر كفاءة من قبل تلك المؤسسات المالية، بعد ذلك تم فتح السوق للأجانب المقيمين بالمملكة لتوفير فرص أفضل لهم وليشاركوا المواطنين في الاستثمار في السوق باعتبار أنهم أصبحوا جزءا من المجتمع يؤثر في نشاطه الاقتصادي وهو ما قد يحفز على عدم تحويل الأموال بغرض البحث عن فرص استثمارية في دول أخرى. من الخطوات المهمة التي تمت في السوق المالية السعودية هو توسيع قاعدة الأدوات المالية بحيث إنها لم تقتصر على الأسهم كما هو الأمر في السابق بل تم الترخيص لبعض الصناديق ليتم تداولها في السوق بالطريقة التي يتم بها تداول الأسهم، إضافة إلى إنشاء سوق الصكوك الإسلامية والسندات التي تعتبر فرصة جيدة للمواطنين للاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر خصوصا الصكوك الإسلامية باعتبار أنها أداة متوافقة مع الشريعة، وهذه السوق تفتح مجالا لكثير من الشركات لإيجاد مصدر إضافي للتمويل بالاستفادة من السيولة التي لدى الأفراد والمستثمرين بدلا من الاعتماد على البنوك التي قد لا تتمكن من توفير التمويل الكافي لتلك الشركات خصوصا الكبرى منها. واليوم نجد أن المملكة توسعت في الترخيص لمجموعة من المؤسسات الأجنبية للاستثمار بصورة مباشرة في السوق السعودية وهذا ما سيكون له أثر إيجابي على سمعة السوق عالميا ويعزز من خضوعه لمعايير عالمية فيما يتعلق بالقيمة العادلة للأسهم ويزيد من فرص التحاق السوق المالية السعودية بالمؤشرات العالمية، إضافة إلى زيادة تدفق السيولة في هذه السوق.
لا شك أن مستقبل السوق السعودي ينتظره المزيد من الفرص والتحديات، حيث لا زال السوق قابلا للتوسع من خلال توسيع قاعدة الأدوات المالية كالمشتقات المالية أو سوق للسلع وهذا ما تم الإعلان عنه كخطة ستتم لاحقا وقد تكون قريبا جدا حيث أن السوق مهيأة بل تحتاج إلى ذلك، والسوق المالية حاليا تعتبر قريبة من أعين ومتابعة المستثمرين في العالم خصوصا بعد وجود احتمال طرح شركة أرامكو السعودية أو بعض استثماراتها في السوق المالية وهي شركة النفط الأضخم عالميا في بلد يعتبر المنتج والمصدر الأكبر للنفط، وقد تم الإعلان عن دراسات لتخصيص مجموعة من القطاعات التي تمتلكها حاليا الحكومة ومن ذلك المطارات الدولية بالمملكة. أما على مستوى سوق الديون فإن المؤشرات تعزز من فرص نشاطها وجاذبيتها بصورة كبيرة باعتبار أنها سوق تقدم أدوات منخفضة المخاطر، إضافة إلى أن المتوقع أن تتم زيادة سعر الفائدة بصورة متدرجة بما يعزز من فرص تحقيق عوائد أفضل من إصدارات سوق الدين، كما أن الخطوات الحكومية التي بدأت فعليا بإصدار مجموعة من السندات سوف تتبعها إصدارات أخرى ويتوقع التوسع الحكومي في إصدار الصكوك الإسلامية كما تضمنته استراتيجية الميزانية الحكومية التي صاحبت إعلان الميزانية العامة للدولة هذا العام. أما فيما يتعلق بالتحديات فما زالت أسعار النفط تمثل تحديا كبيرا لتحقيق هذه التحولات الإيجابية بالصورة الأمثل، كما أن الخطوات الحكومية لتنويع مصادر الدخل وتشجيع استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع قاعدة الصادرات الوطنية، وتغيير سياسة الدعم الحكومي قد يصاحبه مجموعة من القرارات المؤثرة حاليا ولكن إيجابية بإذن الله في المستقبل.
كاتب وأكاديمي متخصص في التمويل الإسلامي