الحب عند العرب .. وعند اليونان

سأنقلكم اليوم، إن سمحتم، بعيدا عما يدور حولنا من أحداث لا تسر، إلى استراحة نستلهم بها راحة العواطف وسكون القلب وفيض الإحساس؛ عن الحب أتكلم،.
والحقيقة لم يكن الموضوع من أفكاري ولكن من سؤال طرحه الدكتور عبد الجليل أحمد طبيب أعصاب مولع بالأدب والشعر، والسؤال:
"هلا أعطيتني الفرق بشكل مقنع بين الحب الأفلاطوني، والحب العذري عند العرب؟"
الإجابة:
باسكتلندا قلت بلقاء في نادي الأنثروبولوجي الاسكتلندي إن الحب العذري عند العرب يختلف عن الحب الأفلاطوني، ويشابه الحب عند شعراء اسكتلندا. والاسكتلنديون مستهامون بالحب العاطفي الرومانسي البكائي، فلا تعتقدوا أن هذا الشعب الجبلي شعب خشن، بل خرج منهم أجمل شعراء العاطفة والحب بالإنجليزية، وأظن أن الأوساط الفكرية الإنجليزية المهيمنة أبرزت شعراءها وغطت على شعراء اسكتلندا الذين هم كما عندنا "ليلى" عندهم "ستيلا"، و"ستيلا" حبيبة شعراء اسكتلندا وحبهم طاهر روحاني شفاف عفيف، وكذلك عند الأيرلنديين قبل موجة الإباحية في وسط القرن العشرين التي جاءت من أمريكا عبر بريطانيا لأيرلندا.
نرجع لسؤال الدكتور خريج جامعة أدنبرة:
العرب كانوا رغم صحراويتهم ـــ كما نوهنا عن الاسكتلنديين ـــ شعبا حساسا عاطفيا ـــ وما زالوا كذلك لليوم ـــ. ونأتي للفرق بين الأفلاطوني والعذري:
يخطئ كثيرون الذين يعتقدون أن الحب العذري شيء مرادف أو شبيه بالحب الأفلاطوني. البون بينهما شاسع. فالحب الأفلاطوني يتيح للمحبين أن يعملا كل شيء فيزيائي. وانظر لما ورد في كتاب الجمهورية من تأليف أفلاطون، حيث يقول مؤلف الترجمة الإنجليزية: "وقد آثرت أن أضع بترجمتي من أفلاطون الضمائر بصيغة المؤنث، وإن كانت في الأصل وردت بصيغة المذكر لشيوع الحب الشاذ عند قدماء الإغريق"، وطبعا قدماء الإغريق هم ربع أفلاطون. وأفلاطون نفسه ومباشرة يقول في جمهوريته: "وقد آثرت في المدينة التي نروم تأسيسها "وكان يعزم على تأسيس المدينة الفاضلة" أن نضع قانونا يمكن بموجبه للمحبين من التقبيل والعناق ويترددون على مجالس بعضهم".
وأين هذا من الحب العربي العذري الذي يصفه جميل بثينة، وكان جميل يهوى بثينة فسلبت عقله وروحه فيقول:
"وإني لأرضى من بثينة بالذي
لو أبْصره الواشي لقرَتْ بلابلُه"
يعني أن الواشي لو أطل عليهما فجأة وهو معها لما وجد إلا لقاء عفيفا لا لمس فيه ولا اقتراب، ما يجعل الواشي يخرس لسانه فلا يجد ما ينم به عنهما.
وترى يا دكتور الفرق فيما ورد بجمهورية أفلاطون اليوناني، وما قاله العاشق المستهام العربي وهو فرق واضح لا يخفى عن حصيف مثلك، ولا عن غيرك. فالحب العربي العذري بلا شك أسمى وأعف من الحب الأفلاطوني.
وأثبت الدليل بما نقل عن عربي عشق فتاة لما سئل سؤالا مباشرا: "ماذا أنت فاعل لو ظفرت بحبيبتك وحدكما لا يراكما أحد" فكان رده: "لو ظفرت بها وحدنا لكان بيننا حديث يطول، ولحظ كليل، وترك ما يكرهه الرب.. وينقطع به الحب!".
وطبعا بعد ذلك خصوصا في العهد العباسي صار الحب العذري أمرا دارسا وموضع تفكه المتفكهين والساخرين، وظهر مناوئا للحب العذري ما سمي بالغزل الحضَري، وإقبال الرجال على اقتناء الإماء وظهور بما عرف ببغداد دار الجواري. وقد جيء بالجواري من أصقاع الدنيا، وهذا ما آل إليه الحب العربي الذي نقله المستشرقون للأسف بعد أن صار المجتمع عربيا - فارسيا، ثم عربيا - تركيا، ثم مجتمعا خليطا من عناصر شتى.
وها أنا قلت لك كل شيء أعرفه.. وبصراحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي