الشخصية العامة والحياة الخاصة
فيما رسب إلى دفاتر التدوين والتاريخ، قصة بيل كلنتون مع واحدة من موظفات البيت الأبيض مونيكا لونسكي، التي تطورت إلى- سيرة فضيحة- قبضت مونيكا، من دار نشر أمريكية مقابل رواية تفاصيل التفاصيل للفضيحة وجزيئاتها ومكنونها..! وكانت دار النشر تتوقع من خلال الصياغة الأدبية للفضيحة الجنسية عائدا ماليا قدرته بـ35 مليون دولار الحد الأدنى..!.
في الواقع قبضت مونيكا ملايين كثيرة، وتم صياغة الكتاب، من قبل كتاب يتصفون بالخبرة والاختصاص.. وتم الدعاية الجيدة للكتاب..!
ورغم أن العملية ناجحة تماما إلا أن الكتاب مات..! وفشل فشلا ذريعا في البيع.. ولم تتمكن دار النشر أن تبيع أكثر من عدد ضئيل جدا..! من المرجح أنهم ألد الخصوم السياسيين للرئيس الأمريكي بيل كلنتون، وأن راوية الفضيحة مونيكا بعد هذه التجربة.. واجهت نبذا اجتماعيا غير متوقع في المجتمع الأمريكي..!.
لم تتوقع الدار وإدارتها، أن المجتمع الأمريكي بدأ يشعر بشكل حقيقي بالاشمئزاز الشديد من التربح بالفضائح. وأن الفرنسيين أكثر رقيا، ورفعة حين رفضوا قصص ساركوزي مع النساء..! باعتبار أن هذه حياة ساركوزي الخاصة، التي لا صلة لها بوظيفته كرئيس منتخب لفرنسا، وأن التدخل في تلك الحياة قد يستجلب، إضافة إلى احتقار المجتمع، فرصة رد الاعتبار أمام القضاء، وبشكل عام ودقيق يحترم الفرنسيون الحياة الخاصة للشخصيات العامة بشكل كبير جدا.
ولم تنجح الصحافة الصفراء، كما نجحت في السبعينيات في أمريكا ودول أوروبية أخرى.. هي التي تسببت في واحدة من ضحاياها في مقتل الأميرة ديانا والفايد في حادث مروع كانت السيارات تقاوم بجنون كاميرات الفضائح التي تستهوي البريطانيين وصحافتها الصفراء...!
هل يحق للمجتمع اقتحام الحياة الخاصة، للشخصيات العامة عنوة، ودون رضاهم؟ هل يجوز للناس أن تتجاوز في النقد، أكثر من حدود الوظيفة، والمهام والأمانة والمسؤولية (للشخصية العامة) والموظف الحكومي، هل يجدي وينفع في زمن غياب الرقيب، حاجز من قانون، أو رفعة الناس، أو تسامي النفوس والعقول..!.
يظهر أن الوعي في أوروبا بدا يرتفع لمستوى فرنسا التركيز على الكفاءة المهنية فقط، ولذا لا يوجد حرج في أن ينال الوزارة مسلمة أو مسلم، ولا يضير أن يكون زير نساء! الأهم بالنسبة لهم هو الاستقامة المهنية، والكفاءة بالمقدار الذي يحقق الأهداف العليا للوظيفة، ويحقق المصلحة العامة..!.
يظهر أننا من خلال مساحة الفضاء المفتوح وبالرغم من وجود تشريع شديد جدا في تحريم الفضح، وهتك الستر، وجعله من الحقوق الواجبة لكل إنسان، ويكتب الله على من ينتهكه وزر خطيئة بعدد كل شعرة في بدنه..!! وأن الفاعل موعود بفضح وهتك ستره قبل موته، إن هتك حجاب الستر عن غيره، إلا أن السلوك الاجتماعي العام في المجتمعات العربية والإسلامية يجعلها مصنفة من الصنف الذي ينتهك أعظم حرمات الحياة الخاصة للشخصيات العامة عند الغضب، وعدم الرضا..! وعند قبضهم على ذنب، أو معصية، أو سيئة..
فهي مجتمعات لا تغمض عينها عن منقصة، وتتطلب الكثير منها لتنشرها وتحمل أثقال وزرها.. فهي تتصف بسلوك المجتمعات الأوروبية التي لا يحضر الغيب والدين في حياتها بذات القوة الحاضرة في هذه المجتمعات، ولو بحد الظاهر الديني لسلوك الأفراد.
تعميم النموذج الفرنسي في تجريم التدخل في الحياة الخاصة للشخصيات العامة، يحتاج إلى عقوبات قاسية جدا وسريعة جدا، لأن الإنسان الذي لا يخاف من الله يجب أن تعلق عصاة السلطان بالقرب منه دائما..! فنحن في مجتمعات في نهاية الأمر لا تحتشم من فضيحة.. ولا تستحي من تداولها..!.