كيف ندعم مطوري المساكن؟
ثماني مراحل للتطوير العقاري وضحها مايكل ميلز وزملاؤه في كتاب "مبادئ وأساسيات التطوير العقاري Real Estate" Development: Principles and Process, لنستعرض معا هذه الخطوات باختصار ونوضح دور وزارة الإسكان والجهات الحكومية الأخرى في توفير البيئة المناسبة للمطور العقاري؛ ليبدع ويقدم أفضل المنتجات السكنية بأسعار مناسبة، وفي الوقت نفسه يحافظ على هامش ربحه؛ ليكون مجال التطوير العقاري جاذبا للاستثمار، وعاملا مهما من عوامل النشاط الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، وفي الوقت نفسه يحقق سوق العقار السكني هدفه الأساسي، وهو توفير الوحدات السكنية بمتطلبات عصرية، وجودة عالية، وأسعار تتناسب مع دخول أغلب المواطنين.
تبدأ هذه المراحل الثماني بالفكرة المبدئية من وراء التطوير، وتتمثل في معرفة السوق بشكل جيد، ومعرفة مقدار الحاجة إلى منتجات عقارية، ثم محاولة سد هذه الحاجة, ثانيا تهذيب وتحسين الفكرة، وذلك بإيجاد خيارات الأراضي التي يمكن أن تكون مناسبة للمشروع، ومحاولة وضع التصور المبدئي للتصاميم، وفتح باب النقاش مع الأطراف المختلفة من ممولين ومقاولين ومهنيين، والبحث كذلك عن المشترين أو المستأجرين المحتملين، والخطوة الثالثة تتمثل في دراسة الجدوى التفصيلية، وفي هذه المرحلة تكون الدراسة أكثر تفصيلا وأعمق من حيث دراسة السوق، ومعرفة مدى إمكانية تسويق الوحدات السكنية، وتحليل التكاليف والعوائد المتوقعة بشكل أكثر تفصيلا، والتواصل مع الجهات الحكومية المعنية بالتصاريح. وخلال هذه المراحل الثلاث ما يمكن للإسكان والجهات الحكومية تقديمه للمطور هو البيانات والمعلومات الموثقة والصحيحة، ومساعدته على الخروج بأدق المعلومات خلال فترة دراسته وبحثه، وهذا يتطلب سرعة إنجاز مركز الدراسات والمعلومات الذي وعدت «الإسكان» بتدشينه، وبذل المزيد من الجهود لإبراز المؤشرات المختلفة للسوق العقاري السكني، مثل مؤشرات أسعار المساكن، وعدد تصاريح البناء وتفاصيلها لكل مدينة وحي، وكذلك حجم طلبات التمويل، والتفاصيل الديموغرافية لكل مدينة وحي بشكل دقيق يوضح للمطور المدى السعري المستهدف لكل منطقة، وكذلك دعم مطوري المساكن باستثناءات تتعلق بارتفاعات البناء، وإجمالي مساحة المسطحات للمباني، وهذا ما تم أخيرا من قبل وزارة الإسكان. وفي خلال المرحلة الثالثة، وهي دراسة الجدوى هناك حاجة ماسة إلى وضع حل جذري لمسألة البنية التحتية والخدمات التي يجب أن تصل إلى الأرض المستهدفة ومن يتحمل تكاليفها؛ كي تتضح التكاليف الفعلية للمطور، حيث يعاني كثير من المطورين ضعف أداء الشركات الخدمية، وأهمها شركة الكهرباء في إيصال الطاقة المطلوبة إلى الأراضي التي يرغب المطورون في إنجاز مشاريعهم عليها, وهنا تبرز أهمية إيجاد آلية للتعجيل بمشاريع الطاقة الكهربائية، وكذلك تمديد شبكات المياه والصرف الصحي بشكل لا يمثل عائقا لمشاريع التطوير بسبب تأخرها، وكذلك بأسلوب لا يضيف أعباء وتكاليف مالية على المطور، حتى لا يحملها على المستهلك النهائي، وهذا ما ينبغي أن تسخر له الموارد المالية لرسوم الأراضي البيضاء بالدرجة الأولى.
وتتمثل المرحلة الرابعة في الالتزام والتعاقد مع الجهات المختلفة؛ بدءا من شراء الأرض أو الوعد بالشراء، وكذلك الالتزام مع الممول والمقاول، والعمل على استخراج التصاريح النهائية من الجهات الحكومية، وما يحتاج إليه المطور في هذه المرحلة هو ضمان حقوق الملكية، وأنه لن يجد أي إشكالات أو في ملكية أرضه، التي من شأنها أن تعطل مشاريع تطوير المساكن، وتقضي على الحافز المعنوي للاستثمار في هذا المجال، وهذا ما يجب أن تضمنه وزراة العدل من خلال سرعة إنجاز التسجيل العيني للعقار وتوضيح ملكيات الأراضي بشكل يطمئن المطور والمستثمر في السوق العقاري، وكذلك ما يمكن تقديمه هنا هو سرعة إنجاز التصاريح؛ لأن هناك مكسبين مهمين، هما: مبدأ القيمة الزمنية للنقود، فأي تعطيل زمني للأموال التي تم استثمارها، يعني حاجة المطور إلى أرباح تغطيها، ومن ثم رفع أسعار الوحدات السكنية النهائية، وهذا بلا شك لا ينفع أي طرف، وكذلك مبدأ سرعة تدوير رأس المال؛ بمعنى أن المطور يمكنه أن ينجز وحدات سكنية أكثر خلال الفترة نفسها؛ بسبب تقلص المدة الزمنية للإجراءات، وذلك بزيادة الإنتاجية، وبالتالي ارتفاع معدل دوران رأس المال، وهذا يحفز الاستثمار في المجال بشكل أكبر، وكذلك مما يسهم في زيادة الاستثمار في التطوير ضمان هامش ربح مجد، وذلك إما برفع سعر الوحدة السكنية، وهذا ما لا نريده، وإما بتقليل التكاليف، وهنا يمكن أن تقوم الجهات الحكومية بدور مهم، وهو إلغاء أو تقليص الرسوم المفروضة على تصاريح المشاريع السكنية، وكذلك رسوم العمالة المفروضة من وزارة العمل، التي تمثل جزءا مهما من تكاليف المطور.
الخلاصة، لدى الجهات الحكومية الكثير لتقدمه من وسائل التيسير والتسهيل لمطوري المساكن، لكنها تحتاج إلى جهود جماعية وفعالة، تبدأ بتوفير البيانات الدقيقة لإنجاز دراسات واقعية تقلل المخاطر على المطور، وكذلك تقليص المدة الزمنية للإجراءات الحكومية، وإلغاء أي رسوم حكومية على مطوري المساكن كمحفز لزيادة الاستثمار والمنافسة، ولعل الخطوات المتبقية في مراحل التطوير ستتم تغطيتها في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.