التغير والتكيف في السياسات الوطنية والإقليمية
لا شك أن السياسات تمر بمراحل عديدة من الوصف والإجراء والاستدلال والأداء، والنتائج المتوقعة والتقييم، والمراقبة، وهي سلسلة منهجيات تبنى على مناهج عدة ضمنها السبب والنتيجة أو منهجية النظم من مدخلات وعمليات ومخرجات، وفي الوقت الحاضر، تعيش دول مجلس التعاون حالة من سرعة التغيرات الإقليمية والدولية والمجالية، التي تؤثر فيها وتتأثر بها، وعلى رأسها مجموعة "الصراعات" المباشرة، وغير المباشرة، بشقيها الصلب المتمثل في الأزمات اليمنية والسورية والعراقية، وظهور المنظمات الإرهابية العابرة للحدود. وكذلك الدولية مثل زيادة التدخل الروسي في المنطقة وبروزها كقوة مهيمنة دولية وكذلك التقهقر الأمريكي الذي ميز الفترة السابقة، ثم انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة التي ستؤثر لا محالة في المستقبل العالمي والإقليمي.
ومع تلك التغيرات تلعب كذلك التغيرات المجالية، والمقصود بها التغير في أسعار النفط، والتغيرات الاقتصادية التي أثرت في مدخولات دول الخليج، والتي أثرت كذلك في السياسات الداخلية والخطط الوطنية، وسياساتها فيما يتعلق بالعمالة، والرواتب والعمل والأعمال.
إن عالم تحليل السياسات عالم معقد، فعلى محللي السياسات التنقل بين حجم كبير من البيانات الكمية والنوعية وتقييمها، كما يجب عليهم اتخاذ قرارات صعبة تخص اختيار مصادر المعلومات، واختيار الأساليب والتقنيات الملائمة وتوظيف الاستراتيجيات الفعالة. ويعد تعريف المشكلة من أهم العمليات التي تتعلق بصياغة السياسات، حيث إن الخطأ في تعريف المشكلة أو تضخيمها أو التقليل منها، يؤدي إلى خطأ في معرفة الحلول الناجحة لحل تلك المشكلة عن طريق السياسات. يعد تحليل السياسات عملية تساؤل تنتمي إلى تخصصات متعددة، تهدف العملية إلى تكوين معلومات ذات صلة بالسياسات، وتقييمها نقديا، ونقل محتواها. ويصنف تحليل السياسات على أنه فرع من فروع المعرفة التي تهدف إلى إيجاد حلول للمشكلات.
ويمكن تصنيف السياسات إلى سياسات تنظيمية، وتنموية، وتوزيعية، وسياسات إعادة التوزيع.
تصنف عملية تحليل السياسات على أنها وصفية جزئيا، فهي تعتمد في وصف وشرح مسببات وعواقب السياسات على تخصصات علم الاجتماع التقليدية. كما تصنف على أنها معيارية، ويشير هذا المصطلح إلى أحكام القيم التي تصف ما يجب أن يكون عليه الوضع مستقبلا، مقارنة بالجمل الوصفية التي تصف الحاضر. ولفحص مشكلات الكفاءة والعدل، يعتمد تحليل السياسات على علم الاقتصاد وتحليل القرارات، إضافة إلى علم الأخلاقيات والفروع الأخرى من الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي جميعها تصف ما يجب أن يكون عليه الوضع.
وينبثق هذا التوجه المعياري من حقيقة أن تحليل السياسات يستوجب الاختبار من بين مجموعة من العواقب المنشودة أي الغايات ومسارات العمل المفضلة أي الوسائل. ويستلزم اختبار الغايات والوسائل مقايضات وتسويات مستمرة بين القيم المتنافسة من الكفاءة والعدل والأمن والديمقراطية أو الشورى.
خمسة أسئلة ضرورية في تحليل السياسات وهي:
مشكلات السياسة، المشكلة التي نسعى إلى حلها وإيجاد حلول لها عن طريق السياسات والسؤال عن مآلات تلك السياسات.
النتائج المتوقعة للسياسات: النتائج المتوقعة من تلك السياسات ونتائجها، ومدى حلها للمشكلة وتحقيقها الغايات التي نسعى إلى تحقيقها.
السياسات المفضلة: وهي تلك السياسات التي ينبغي اختيارها من ضمن حزمة السياسات المطروحة لحل المشكلة وهل تحقق فقط الجانب الاقتصادي المعياري أم كذلك تحقق الجانب الأخلاقي والعدالة والبيئة؟
النتائج المرصودة للسياسات: ما النتائج المرصودة للسياسات التي تختلف عن النتائج المتوقعة قبل تنفيذ السياسة المختارة (المفضلة) وهل أدت إلى النتائج المرغوبة؟
أداء السياسات: إلى أي مدى تسهم النتائج المرصودة للسياسة في دعم التوجه العام للغايات وتسعى لتحقيق المآلات وما تكاليفها على الحكومة وعلى أجيال الحاضر والمستقبل؟
تلعب القيم مثل الكفاءة والعدل والاستجابة والحرية والأمن عوامل مهمة في صياغة السياسات، جنبا إلى جنب مع العوامل الاقتصادية الرقمية البحتة.
تلعب الخلفية العلمية والثقافية لمحللي وواضعي السياسات كذلك دورا مهما في ذلك، وهنا تكمن الصعوبة والتعقيد، نظرا لوجود عوامل كثيرة ومتداخلة تؤثر في بعضها بعضا، وهذا قد يؤدي أحيانا إلى خروج المسار المصنوع لتلك السياسات عن حل المشكلة الأصلية ليصبح ذا مقصد لحل مشكلة أخرى أو معالجة غاية أخرى. وبالله التوفيق