مسار الاقتصاد .. رؤية وتحول
في خطابه السنوي من منصة قبة "الشورى"، يعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أهم التوجهات السياسية والاقتصادية ويرسم طريقا واضحا للجميع. وللخطاب في مجلس الشورى دلالاته المهمة، فهذا المجلس يعبر عن نخبة من المجتمع اختارهم الملك ليقدموا رأيهم ومشورتهم فيما يعرض عليهم من موضوعات ولهم تقديم مقترحات للنظر فيها، فهم من المجتمع ومن كل أطيافه، وكما ذكر الملك في خطابه: لا أحزاب ولا طائفية في المملكة وعلى من يعين في "الشورى" فهم ذلك جيدا وأن يعيه تماما. وقال خادم الحرمين الشريفين خلال افتتاحه الأربعاء الماضي أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، إن المملكة ماضية نحو التحول إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد كلية على النفط سعيا لرسم مستقبل واعد للوطن. لكن على الرغم من المحاولات السابقة جميعها في التنويع الاقتصادي إلا أن هذه التوجهات من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين تأتي ضمن خطة استراتيجية واضحة المعالم ترتبط ببرامج ومبادرات تنفيذية معلنة ومؤشرات قياس حقيقية وفعالة، تشارك فيها جميع قطاعات الاقتصاد ويقودها مجلس اقتصادي مشكل من معظم الوزارات ذات العلاقة. فالتحول نحو التنويع الاقتصادي هو محور "رؤية المملكة 2030"، ولكن يجب إدراك أن هذا التحول لم يأت كاستجابة عاجلة لوضع اقتصادي متأزم بل إن خادم الحرمين الشريفين وهو يقف على قمة القيادة في هذا البلد يؤكد للجميع متانة الاقتصاد السعودي ومكانته بين دول العالم، فالمملكة اقتصاديا ضمن أكبر 20 دولة اقتصادية، وفي هذا فالعالم لا يجُامل أحدا، وما كانت المملكة لتحقق ذلك لولا فضل الله ثم ما تشهده السعودية من نهضة اقتصادية واجتماعية هي نتاج للخطط التنموية، مع قدرة كامنة لدى الاقتصاد في التغلب على أي تقلبات اقتصادية، والشعب والحكومة لديهما تجربة كافية في هذا. فكما أشار الملك في خطابه إلى أن المملكة مرت بتقلبات أشد وطأة مما يحدث الآن من تراجع لأسعار النفط، فلم تتأثر المملكة بها بل عبرتها بطريقة أكثر صلابة وقوة وتلاحما بين الشعب وقيادته. لكن هذا الإرث الحضاري الضخم والمتجذر لأكثر من ثلاثة قرون خلت الذي أشار إليه الملك في خطابه، يجب ألا يلهينا عن ترتيب البيت من الداخل، وأن نعيد تنظيم العمل بما يحفظ لنا مواردنا وأن نستثمرها بالطريقة المثلى لنحافظ على حق الأجيال المقبلة، حتى لو تطلب هذا بعض الإصلاحات المؤلمة مرحليا، فالملك يستشعر حقوق الأجيال التي بين أيدينا والأجيال التي لم تأت بعد وألا نضيعها في ترف اللحظة.
قوة ومتانة الاقتصاد السعودي اليوم تمثل قاعدة هائلة لبناء رؤية إصلاحية جديدة تشمل خططا واسعة وبرامج اقتصادية واجتماعية تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل؛ ويأتي ضمن أولوياتها تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشفافية والنزاهة، ورفع كفاءة الإنفاق من أجل رفع جودة الخدمات المقدمة بما يحقق الرفاهية للمواطن، كما تستهدف هذه الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية، ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والانتقال إلى مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن، وزيادة الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل. سيكون على مجلس الشورى وضع هذه الرؤية نصب عينيه عند مناقشة تقارير الجهات الحكومية في دورها الرقابي، فالشفافية والحوكمة الجيدة استدعت إعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يرتقي بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم وصولا إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة، ويجب أن تعكس تقارير الجهات هذه الوقائع. وفي دوره التشريعي، على مجلس الشورى أن يعي التحولات الرئيسة عند مراجعة الأنظمة وأن يدرك أهمية الوقت في "رؤية 2030".