عنيزة .. مدينة الخدمات الإنسانية
ليس هناك أجمل ولا أكثر وفاء للمجتمع ولا أعظم أجرًا ولا أنصع متعة من أن تكون خيرا كريما متواضعا تجاه أفراد من أبناء أمتك الذين هم بحاجة إلى رعاية خاصة. يجب ألا تلهينا مشاغل الحياة ولا مباهج الدنيا عن وضع فئة من فلذات أكبادنا ممن قدر الله عليهم ألا تكون لديهم القدرة على الحياة دون مساعدة ممن من الله عليهم بكامل القوى الفكرية والبدنية. في مدينة عنيزة، لا تخطئ العين مراكز العناية الإنسانية والمصحات التأهيلية والمدارس الخاصة لذوي الحاجات المتميزة التي تتطلب مجهودًا غير تقليدي ومعلمين من ذوي التخصصات العلمية التي تناسب مختلف الحالات الإعاقية السائدة. ومعروفة أهمية اختيار المعلمين والمدربين لمثل هذه المسؤولية الإنسانية، وضرورة أن يتوافر فيهم كم هائل من القدرة على ضبط النفس وحسن الخلق والمعاملة وسعة الصدر، إلى جانب المهارات المطلوبة ليؤدوا واجباتهم على الوجه الأكمل.
ولعل أبرز ما يصادفك هناك، "جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية"، أو "تأهيل". وهي مؤسسة خيرية إنسانية متميزة، تشرف على عدة فروع من أهمها في الوقت الحاضر، مجمع علي الجفالي للرعاية والتأهيل، ومركز علي التميمي للتوحد، ومركز محمد العبد الرحمن السعدي للطفولة والتدخل المبكر. وللمؤسسة أنشطة فرعية، لعل من أهمها، برنامج الرعاية الصحية والتأهيل المنزلي، والعلاج الطبيعي لذوي الاحتياجات الخاصة، والتسويق وتنمية الموارد المالية (رجال ونساء). ومن مشاريعها المهمة الجديدة "وقف الرحمة للمعوقين"، ويعتبر مشروعا استثماريا يحقق دخلا ثابتا لتغطية جزء من الاحتياجات المتنامية في خدمة ذوي الإعاقات في عنيزة. وهذا المشروع الحيوي بحاجة إلى مزيد من الدعم المادي والعيني من الخيرين. وتعتبر هذه المراكز المتقدمة والمتطورة، بشهادة المتخصصين العالميين الذين قاموا بزيارتها، من أفضل المراكز التأهيلية في الشرق الأوسط. وللمعلومية، فإن قبول الطلاب والطالبات الذين تنطبق عليهم شروط القبول يأتي بعض منهم من خارج مدينة عنيزة. وتتميز مدينة عنيزة، ذات التاريخ العريق، باحتلالها المركز الأول بين مدن المملكة في الخدمات الاجتماعية والإنسانية بالنسبة لحجمها. وهذا بفضل من الله ثم مجهود نخب من أهلها وكرم من أبنائها المقيمين فيها ومن الذين يقطنون خارجها. وهناك مزيد من المشاريع الإنسانية التي لا تزال تحت التنفيذ في طريقها إلى النور، مع استمرار تطوير المرافق الحالية. هذه المشاريع الخيِّرة، التي هي بطبيعة الحال تعبير جميل من أهل عنيزة عن قوة ومدى فاعلية التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، دون شك بحاجة إلى التشجيع والدعم من الإخوة محبي فعل الخير. والقائمون على تلك المراكز الحيوية يسعدهم استقبال من يرغب في الاطلاع على برامج التدريب والتأهيل ومناهج التعليم الخاص، على الرغم من المسؤوليات والواجبات اليومية الكبيرة التي يقومون بأدائها. فجزاهم الله عنا وعمن يقومون هم بخدمتهم خير الجزاء. فلنكن رحيمين بأبنائنا ومقدرين جهود إخواننا.
وأهم أهداف الجمعية -منقول بتصرف من أحد منشوراتها الخاصة- تقديم منظومة شاملة من برامج وخدمات الوقاية، الرعاية، التعليم، التأهيل، العلاج الصحي والطبيعي، التدريب وفق رؤية عصرية، تمكين ذوي الإعاقة من الاندماج في المجتمع. ويتاح لبعض منهم فرص التدريب على أعمال مهنية منتجة وذات قيمة اقتصادية. ومن ضمن أنشطتها تعزيز الوعي الأسري في مجال الإعاقة وتشجيع ودعم إجراء البحوث والدراسات المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة. التوسع في تقديم الخدمات لذوي الإعاقة في مختلف مناطق المملكة. وليس لنشاط جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية حدود، فلها أهداف خيرية واجتماعية وإنسانية أخرى مستقبلية، بعض مشاريعها تحت الإنشاء والبعض ينتظر دوره في التمويل. ونأمل من إخواننا رجال الأعمال والشركات أن يقبلوا ويرحِّبوا بتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة من أبنائنا وبناتنا في الوظائف التي تتناسب مع مؤهلاتهم وقدراتهم، دون مِنَّة أو فضل، بل نعتبره حقا عليهم من حقوقهم، نظرًا لظروفهم الخاصة. وسيحسب ذلك لهم كأجمل خدمة وطنية يُشكرون ويثابون عليها.
إضافة إلى هذا المنجز، هنالك مَعْلم آخر من معالم العطاء والخير في مدينة عنيزة. فجمعية البر الخيرية في محافظة عنيزة لها هي الأخرى بصماتها المميزة في أعمال الخير والإنسانية. فإلى جانب مهامها الرئيسة الخيرية الجليلة التي لا حدود لها، تقوم الجمعية برعاية الأيتام الذين فقدوا آباءهم أو كلا والديهم ومن لدى أسرهم مشكلات عائلية أو يعانون قِلة ذات اليد، حيث تشملهم بالعطف والحنان وتلبي احتياجاتهم، ومن ثم دمجهم في المجتمع. ويتكون نشاط الجمعية في هذا المجال من قسمين: الأول، مركز الترفيه والمتابعة للبنين، والثاني دار الزهراء للتوجيه والمتابعة للبنات. يحضر الطلاب والطالبات إلى مقر الرعاية الاجتماعية بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء، ثم يعودون إلى بيوتهم وذويهم. وخلال وجودهم في المركز تقدَّم لهم وجبة خفيفة. ويشمل برنامج الرعاية مساعدة الطلاب والطالبات على أداء واجباتهم المدرسية وتقوية الذين هم بحاجة إلى مساعدة في المواد الدراسية. وتتوافر للطلاب ملاعب رياضية وأماكن ترفيه وبرامج تثقيفية وللطالبات مثل ذلك مما يتناسب مع طبيعتهن، إلى جانب التوعية الدينية للجميع. وهناك مركزان منفصلان، للذكور والإناث ممن لهم وضع اجتماعي خاص، تشمل الرعاية فيهما الحضانة وتعويض حنان الأبوين، يوجد مركز الإناث في عنيزة ومركز الذكور في شقيقتها مدينة بريدة.
هذه القراءة المختصرة حول موضوع يستحق مجلدات، لا تحيط بكل جوانب تلك المؤسسات الإنسانية ولا تفي بحق القائمين عليها، على الرغم من أن مجهودهم الخيِّر هو لوجه الله وخدمة للمحتاجين من أبناء أمتهم. فجزاهم الله خير الجزاء وجعل ما يقومون به من خدمة إنسانية في موازين أعمالهم. وبهذه المناسبة، نهيب بالإخوة والأخوات من أهل الخير، سواء منهم من يسكن عنيزة وبقية مدن القصيم أو خارج المنطقة والمواطنين عامة، أن يشاركوا بما يقسم الله لدعم هذا المجهود الإنساني الكبير. وقد شاهدنا بعض الشعوب خارج المملكة كيف يبذلون من أموالهم وأوقاتهم ما يسعدون به ذوي الاحتياجات الخاصة رحمة بهم وشكرا لله الذي عافاهم. ونحن كمسلمين أولى بكسب رضا الله وخدمة أوطاننا وأهلينا. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".