المواطن .. يد أولى للإصلاح
أثبت المواطن والمواطنة خلال الأعوام الأخيرة، أنهما الصوت الأول، واليد الأولى في الطريق الطويل جدا للإصلاح والتطوير والإنتاج. هذا ليس بالأمر الجديد؛ فقد شارك آباؤهما وأمهاتهما وأجدادهما سابقا في نهضة بلادهما ومجتمعهما، وما يقدمه أبناؤهما اليوم ليس إلا امتدادا حقيقيا لما أثبته إنسان هذا الوطن العظيم. إنما تأتي المناسبة هنا للتركيز على الدور الوطني، الذي أوفى به كل من المواطن والمواطنة حسب موقعيهما، قياسا على مساهماتهما المتعددة "الوطنية، التطوعية، الاجتماعية إلخ"، التي زاد وعزز من زخمها تطور مختلف قنوات التواصل الاجتماعي المعاصرة، وزيادة اعتماد الأفراد عليها، وتوظيف شرائح واسعة منهم لتلك القنوات لأجل أهداف نبيلة وسامية بكل ما تعني تلك الكلمات.
لقد فرضت طموحات وتطلعات أفراد المجتمع السعودي نفسها على واقعها المعيش اليوم، موظفة قنوات التواصل الحديثة "واتساب، تويتر، إلخ" أفضل توظيف للتعبير عن تلك الغايات النبيلة، كان من أبرز نتائجها المساهمة القوية للأفراد في محاربة الإرهاب والجريمة والفساد بكل أشكالها، مشكلة في مجموعها دعما كبيرا لا غنى عنه لجهود الدولة والأجهزة المعنية، في إطار جهودها المستمرة للتصدي لمخاطر الإرهاب والجريمة والفساد.
دع عنك المبادرات والمساهمات التطوعية لأفراد قد لا يملكون من الدنيا شروى نقير، بدأت صغيرة تكاد لا تذكر، سرعان ما تحولت بفضل التعاون والتكاتف المجتمعي المتين، إلى إشعاع شمس عم أرجاء المعمورة، طالما فرجت تلك المساهمات بعد توفيق الله كرب وهموم وأوجاع غيرهم. لن يستطيع أحد منا تعداد أي من تلك المساهمات الإنسانية الرائعة، إنما أجرها على الله رب العالمين، وما أعظمه من أجر وثواب عند رب الأرباب، إن احتسبه لوجهه الكريم كل من شارك في تلك المبادرات والمساهمات المعطاءة.
لقد أتاحت قنوات التواصل والاتصال المعاصرة لكل فرد فرصا واسعة جدا، هناك من وظفها لقول وفعل الخير والمعروف والفضيلة والعمل على نشرها، وآخرون سقطوا في المحظور والشرور، ويقينا لا يخالطه أدنى شك؛ أن كل نفس بما كسبت رهينة في الدنيا والآخرة، إن خيرا فخير لقائله وفاعله، وإن شرا فشر على قائله وفاعله. إلا أن مقالي هنا، لا يتسع إلا للاحتفاء بالنوع الأول، سعيا لتحفيزه وإعطائه حقه الإعلامي والاجتماعي المستحق، وتأكيدا أنه القدوة الأولى بالإشادة والشكر والتقدير من قبل الجميع، والقدوة الحاضرة قولا وعملا في أذهاننا جميعا، الجديرة بالاحتذاء من قبل الآخرين.
لقد أحدث وجود وتطور قنوات التواصل والاتصال تلك كثيرا من التغييرات في حياتنا المعاصرة، وإن كانت قد خلفت آثارا سلبية إلى حد كبير في العلاقات الإنسانية بين الأفراد، إلا أنها أيضا أنتجت إيجابا منظومة علاقات أكثر قوة وتأثيرا، ولا يعني هذا أن يتم إغفال الاهتمام عن التصدي للآثار السلبية، بل يمكن توظيف الجانب الإيجابي من تغلغل تلك القنوات في حياتنا، لأجل معالجة أي من تلك الآثار السلبية "وداوها بالتي كانت هي الداء". إنما الأهم في هذا المقام؛ تأكيد أهمية استثمار القيمة المضافة لوجود تلك القنوات الحديثة، وتوظيفه في اتجاه تعزيز المسؤولية الاجتماعية للأفراد والمؤسسات على حد سواء، وتسخيره تعاونا وتكافلا لأجل تعزيز الروابط المجتمعية، وزيادة لتمكين الأفراد مهما كانت مواردهم وقدراتهم ومواقعهم، وتوسيع خياراتهم الحياتية، التي تعود بالنفع والفائدة عليهم وعلى مجتمعهم، بما سيؤدي إلى إيجاد بيئة تنافسية للأفراد، تسمو أهدافها إلى ترسيخ الشخصية الفاعلة والمنتجة والمهتمة بمن حولها، على عكس الشخصية الأنانية أو الانطوائية غير السوية.
إذا رأيت خطرا يهدد بلادك وأهلها، اسلك القنوات المتاحة والمقبولة نظاميا، وساهم في درء ذلك الخطر! إذا رأيت تقصيرا أو مخالفة أو فسادا أو استغلالا أو أي قول أو فعل فلا تقف مكتوف اليدين، بل مارس حقك المشروع كفرد تنتمي إلى مجتمعك ووطنك، وأبلغ الجهة المعنية والمسؤولة عن ذلك الخطأ أو التقصير، إنه هنا واجبك الديني قبل الدنيوي، وهو ما سبق وجود هذه القنوات المعاصرة بأكثر من ألف وأربعمائة عام (كنتم خَيرَ أمة أخرِجَت لِلناسِ تَأمرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المنكَرِ وَتؤمِنونَ بِالله وَلَو آمَنَ أَهل الكِتَابِ لَكَانَ خَيرا لهم منهم المؤمِنونَ وَأَكثَرهم الفَاسِقونَ). يكمن الاختلاف في حياتنا المعاصرة عما سبقها على هذا المستوى من التواصل والاتصال، أن الفرد أصبح يمتلك الوسائل الأقوى والأكثر مع بقية أنحاء العالم، فلم يعد المكان أو الزمان أو حتى الموارد بالعائق السابق، الذي قد يمنع صوتك ومساهمتك من الوصول إلى الآخرين! بل لقد أصبحت القنوات المؤدية للإصلاح والمشاركة الإيجابية في نهضة وتطور مجتمعك متاحة وميسرة إلى حد بعيد، بمعنى آخر أكثر صدمة لك؛ أن هذه الأدوات والوسائل في حقيقة الأمر، حجة عليك لا لك إن تأخرت عن الوفاء بالأمانة الملقاة على عاتقك.
أخيرا؛ يتعين على المرء أن يفرق بين المشاركة الصالحة لمجتمعه، وبين نقله الشائعات المدمرة، وأن يقف أمام أي من تلك المتغيرات والمستجدات موقف الفاحص المدقق الأمين (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)، ومع التجربة والخبرة تجاه ما يعايشه من متغيرات حياتية وتقلبات، سيصبح المرء منا دون أدنى شك أكثر فطنة وحكمة، فيقيس الأمور بصورة أكثر اتزانا وحنكة، وأن يشاورها مع من حوله، ويتدارس ما شق عليه من متغيرات وقضايا قبل أن يصدر أحكامه أو قراراته. والله ولي التوفيق.