«الروبوتات» والنمو .. وعدم المساواة
يقول البعض إن العالم على مشارف "عصر آلي ثان" فنحن نقرأ أسبوعيا عن تطبيقات تعتمد على مفهوم الذكاء الصناعي وما يعرف بالتعلم العميق وتكنولوجيا الروبوتات، وشاحنات التوصيل دون سائق، والتدريس الإلكتروني، وبرامج جدولة المواعيد، وأجهزة الحاسب الآلي التي حلت محل وظيفة مساعد المحامي، والسيارات ذاتية القيادة. جميعها مجرد أمثلة قليلة على هذه التطبيقات، ويبدو أن بعض هذه التطبيقات يقارب في طبيعته الروبوت الذي صوره التشيكي كاريل كابيل كاتب الخيال العلمي الذي استحدث هذا المصطلح في عام 1921 لوصف آلة ذكية تشبه الإنسان بدرجة كبيرة.
ولا أحد يعلم إلى أين تتجه هذه التكنولوجيا، ويشير روبرت جوردون إلى تباطؤ التغير التكنولوجي المفيد من الناحية الاقتصادية ــ ونمو الإنتاجية في الولايات المتحدة ـــ منذ سبعينيات القرن الماضي، باستثناء طفرة تكنولوجية استمرت لعقد كامل وانتهت في عام 2004، ولكن عندما يتعلق الأمر بالروبوتات الذكية، فنحن قد نكون على أعتاب ثورة ينبغي أن يفكر مختصو الاقتصاد مليا في تأثيرها في النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل.
رأيان متضاربان
برزت رؤيتان في الكتابات الاقتصادية بشأن التكنولوجيا والنمو وتوزيع الدخل. وتشير بعض الكتابات إلى أن التقدم التكنولوجي يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وبالتالي إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج وعلى الرغم من بعض التكاليف الانتقالية التي يمكن تحملها مع انتفاء الحاجة إلى وظائف معينة، فإن الأثر الكلي للتقدم التكنولوجي يؤدي إلى تحسن مستويات المعيشة. وهذا الجدال يعود تاريخه إلى القرن الـ 19 على الأقل، ويبدو أن الفوز كان من نصيب المتفائلين بالتقدم التكنولوجي، فالعامل الأمريكي العادي في عام 2015 يحقق مستوى الدخل السنوي نفسه للعامل العادي في عام 1915 مقابل 17 أسبوع عمل تقريبا فقط ـــ ويعود الفضل الأكبر في هذا التقدم إلى التكنولوجيا.
وتشير هذه الكتابات المتفائلة إلى أن للتكنولوجيا منافع كثيرة بالفعل ولا تؤدي فحسب إلى تسريح العمالة، فهي تؤدي إلى زيادة إنتاجية العاملين وزيادة الطلب على خدماتهم ـــ فعلى سبيل المثال يساعد برنامج الخرائط في زيادة كفاءة سائقي التاكسي "والسائقين الذين يعملون لدى شركتي ليفت وأوبر أيضا". ويؤدي ارتفاع الدخل إلى زيادة الطلب على جميع أنواع الإنتاج، ومن ثم إلى زيادة العمالة. وقد ظهرت موجة من المخاوف إزاء انعكاسات استخدام الحاسب الآلي على الوظائف في الولايات المتحدة في خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، ولكن العقود اللاحقة التي اتسمت بنمو قوي في الإنتاجية وتحسن في مستويات المعيشة شهدت معدلات بطالة ثابتة تقريبا ومعدلات توظيف متزايدة.
أما الكتابات الأخرى الأكثر تشاؤما فتركز بشكل أكبر على الخاسرين، فقد يعزى تزايد أوجه عدم المساواة في اقتصادات متقدمة عديدة جزئيا إلى الضغط التكنولوجي. إذ أدت ثورة الكمبيوتر إلى تراجع الطلب النسبي في الاقتصادات المتقدمة على الوظائف الروتينية "التي تتطلب مجهودا جسديا أو عقليا" ـــ كوظيفة مسك السجلات وعمال خطوط الإنتاج في المصانع. ونظرا لأن استخدام أجهزة الكمبيوتر مقترنا بتشغيل عدد أقل من العاملين ـــ الأكثر مهارة بوجه عام ـــ قد أمكن معه إنتاج السلع التي كانت تتطلب في السابق وجود هذه الوظائف، تراجعت الأجور النسبية للعمالة الأقل مهارة في بلدان عديدة.
هل ستكون الروبوتات مختلفة؟
أي المجالات يمكن فيها استخدام الروبوتات الذكية؟ للرد على هذا السؤال بطريقة وافية، قمنا بتصميم نموذج اقتصادي يعتبر الروبوتات نوعا مختلفا من رأس المال يمكن استخدامه كبديل مقارب للعمالة البشرية. وعادة ما ينظر علماء الاقتصاد الكلي إلى الإنتاج بوصفه ناتجا عن مزيج من رصيد رأس المال المادي "الماكينات والمباني العامة والخاصة" وعنصر العمالة، ولكن التفكير في الروبوتات كنوع جديد من رأس المال المادي الذي يضيف فعليا إلى رصيد العمالة "البشرية" المتاحة أمر مفيد للغاية. فالإنتاج سيظل يتطلب مباني وطرقا على سبيل المثال، ولكن البشر والروبوتات يمكنهم الآن استخدام رؤوس الأموال التقليدية تلك.
ماذا يحدث إذن عندما يصبح رأس المال المكون من الروبوتات منتجا بما يكفي لتحقيق النفع؟ إذا افترضنا أن الروبوتات بدائل كاملة تقريبا للعمالة البشرية، يرتفع بالتالي نصيب الفرد في الناتج، وهو أمر إيجابي ولكن السيئ في الموضوع هو تفاقم أوجه عدم المساواة لعدة أسباب. أولا، يؤدي استخدام الروبوتات إلى زيادة عرض مجموع العمالة الفعلية "العاملون زائدا الروبوتات"، وهو ما ينتج عنه تراجع الأجور في الاقتصاد السوقي. ثانيا، نظرا لأن الاستثمار في رأس المال التقليدي، كالمباني والماكينات التقليدية، يؤدي إلى مزيد من التراجع في الطلب على العمالة التي تستخدم رأس المال التقليدي.
هذه هي البداية فحسب، فالنتائج الإيجابية والسلبية يتسع نطاقها بمرور الوقت. فمع زيادة رصيد الروبوتات، يزداد بالتالي العائد على رأس المال التقليدي "فالمخازن تصبح أكثر نفعا عندما تسند مهمة تخزين السلع على الأرفف إلى الروبوتات". لذلك ترتفع مستويات الاستثمار التقليدي أيضا في نهاية المطاف. وتظل الروبوتات منتجة بالتالي حتى مع استمرار ارتفاع رصيد الروبوتات، وبمرور الوقت، ينمو نوعا رأس المال معا لحين سيطرتهما على الاقتصاد ككل. وينتج رأس المال التقليدي ورأس المال المكون من الروبوتات الكثير والكثير من الناتج بمساعدة متناقصة من عنصر العمل. ومن غير المتوقع أن تقوم الروبوتات بالاستهلاك، فهي تنتج فحسب "وإن كانت قصص الخيال العلمي لم تحسم هذا الأمر!"، وبالتالي يزداد حجم الناتج الذي يمكن تقاسمه بين البشر الحقيقيين. ولكن الأجور تتراجع، ليس فقط بالقيمة النسبية ولكن بالقيمة المطلقة، حتى مع ارتفاع مستوى الناتج.