الشركات المالية .. مخاطر التخارج

يسعى كثير من الشركات الاستثمارية للتخارج من خلال طرح عام للجمهور. الهدف ليس زيادة رأس المال للتوسع في الاستثمارات والتمويل وبناء هذه الشركات مؤسساتيا، ولكن بغرض المراهنة على الحالة المضاربية واستغلال حقيقة أن أغلب التداول يعود إلى أفراد الغالبية الواضحة منهم لن تستطيع فهم الحالة المالية والمحاسبية لشركات من هذا النوع. يسعى مديرو وملاك بعض هذه الشركات للضغط على هيئة سوق المال مستغلة الإيفاء بما هو مطلوب شكليا من ناحية، والمراهنة على مفهوم عام غير مناسب للمرحلة أن هناك حاجة لتكبير السوق ــــ امتدادا لمن يطالب بالكم على حساب الكيف. العقلية التقليدية والشكلية تنادي بإعطاء هؤلاء "فرصة" للتغاضي عن المطلوب جوهريا بما يتضمن من استحقاقات تنموية ومسؤوليات اجتماعية والتعامل مع الشكلي والسطحي تحت مبرر "نظامي". الغريب أنه على الرغم من انخفاض المؤشر ومستوى التداول لأسباب موضوعية إلا أن مديري وملاك هذه الشركات يسعون حثيثا للتخلص عن طريق التخارج.
يعرف المتابعون أن الشركات الاستثمارية أعلى مخاطر وأكثر تذبذبا من المصارف التجارية في أعمالها وأصعب مراقبة محاسبيا، كما دللت على ذلك تجربة الأزمة المالية العالمية. كما أن كثيرا منها يعاني ضعف نطاق أعمالها، ولذلك اتجهت إلى العقار مستغلة محاولة وزارة التجارة السيطرة على فوضى المساهمات العقارية في الماضي، ولكن هذا الجزء من أعمالها ليس حقيقيا، وإنما أقرب إلى تمرير المساهمات بشكل أكثر تنظيما وحماية للعامة منه لدور يتناسب مع دور المصارف الاستثمارية. لأسباب تتصل بطبيعة أعمالها وفي الدول التي سبقتنا الأحرى أن تكون الملكية خاصة بينما تحرص لدينا للطرح العام، هذا الحرص يعبر عن تفاوت في المصلحة، لن تكون المصلحة للعامة. تجربة المملكة مع الشركات المالية كما حدث مع شركات التأمين مؤلمة، وقد تكون الشركات الاستثمارية أعلى مخاطر. قطاع التأمين أكثر استحقاقا موضوعيا من حيث الأهمية والاستدامة، ومع هذا يعاني تشوهات وصعوبة في الرقابة. خيار من له مصلحة مباشرة وضيقة معروف ولكن خيار هيئة سوق المال بين الشكلي والجوهري من ناحية، وبين التكتيكي والاستراتيجي من ناحية أخرى.
مطالبة هذه الشركات بالطرح بعد استيفاء المتطلبات النظامية قد تبدو سليمة وحتى جذابة، ولكن ما أنا بصدده هو أبعد من الشكليات والخوض في السياسات العامة والأبعاد الاستراتيجية. تستطيع الهيئة التعامل مع الموضوع من خلال إعادة تأطيره والابتعاد عن الشكليات الرسمية النظامية. يتم ذلك من خلال وضع خطة لتطوير ورصد قطاع الخدمات المالية والتعلم من تجربة الماضي. عناصر السياسة العامة تدور حول عدة عناصر عامة، منها تفادي طرح الشركات المالية مع إعطاء قطاع تمويل الإسكان الأولوية لتناسقه مع التوجهات العامة "إذا الهدف زيادة رأس المال وليس التخارج"، ومنها أيضا أن الشركات الاستثمارية هي أعلى ثمرة في الشجرة وبالتالي أصعبها لتحقيق أرباح اقتصادية، خاصة أن الاقتصاد الوطني لم يصل إلى درجة من التعقيد في مواءمة مع الشركات الاستثمارية ونشاطها كما هو معروف في الدول الأكثر وأعمق تجربة. ومنها أيضا أن هذا النوع من الشركات يحتاج إلى سنوات لمعرفة نماذجها المالية ومدى استمراريتها، ومنها أن الشركات المملوكة للمصارف أقدم وأكثر استقرارا ماليا ولذلك يتطلب طرحها تدريجيا وعلى مدى سنوات لتفادي تجربة التأمين، ومنها أيضا أن حصة القطاع المالي في المؤشر كبيرة نسبيا بما لا يتناسب مع تركيبة الاقتصاد أو التوجهات العامة.
مصلحة الصناعة المالية وخدمة للقطاع والاقتصاد الوطني أرى أن يصرف النظر عن طرح هذه الشركات حتى أواسط العقد القادم. طرح واحدة منها سيفتح باب من يطالب بالمساواة وتجاوز عناصر السياسة العامة تدريجيا. هناك إشكالية حين تأخذ دولة نامية بالأطر المماثلة للدول المتقدمة دون النظر تحت السطح. السؤال الطبيعي إذا كانت هذه الشركات على قدر كبير من الربحية لماذا تحرص الإدارات والملاك على مشاركة العامة، الوضع الطبيعي أن تسعى هذه الشركات للحفاظ على كل الربحية والاستقلالية وتزايد الأرباح الموزعة وأن تكون الهيئة هي التي تطالب بالطرح وليس العكس. التفاوت في المطالب والممانعة يحمل كثيرا، وكما يقول الاقتصاديون السعر يحمل المعلومات ولذلك وجب الحذر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي