«إن تبدوا الصدقات»
يحث الدين الحنيف على التلاحم المجتمعي، ويطالب الشارع بأن تكون القلوب والأجساد متوحدة في البحث عن رضى الخالق ــ سبحانه وتعالى، لعل أقرب الأعمال التي يحثنا عليها ديننا الحنيف هي الصدقات التي تمثل أهم وأوضح صور التعاون والتفاعل المجتمعي.
حرص الدين كذلك على ضمان ألا تكون تلك الصدقات وسائل لإذلال المحتاج، وأساس ذلك هو البناء على أن الرازق هو الباري جل وعلا وأننا ما نجود إلا بما جاد به الله علينا. لهذا تكون الصدقات سرا خير من الجهر، ويحرص المؤمن على أن تكون له خبيئة لا يعلمها أحد لأنها تمنع عنه صورة من أخطر الصور التي يخافها المسلم ألا وهي الرياء.
كل هذا من المعلوم بالضرورة، وهو من الأمور التي يتفق عليها علماء وعامة المسلمين. يأتي في المقابل العمل الصالح الذي يمارسه صاحبه في العلن. هذا العمل الذي يهدف منه كثيرون لفتح المجال أمام غيرهم ليكونوا أقرب للمحتاجين ويبحثوا عنهم لضمان وصول صدقاتهم للمحتاجين فعلا.
هنا يهمني أن أربط بين ما قدمه الفنان فايز المالكي لأحد المحتاجين من مال في مقابل احتفاظ الرجل بكليته التي كان ينوي أن يبيعها لسداد دية حكم بها عليه. أعتقد أن المالكي وهو ممن اشتهروا بعمل الخير كان يرمي لتشجيع المقتدرين للبحث عن المحتاجين البعيدين عن مجال التفاعل اليومي.
المحتاجون الذين يقبعون في السجون، وأولئك الذين لا يعلم بحالهم أحد هم ضمن فئة قد تعاني كثيرا بسبب ابتعادهم عن المشهد العام وارتباط المتصدقين بفئات معينة يتعاملون معها يوميا. حال فايز هي حال أعتبرها من المندوب الذي يسهم بما يقدمه في دفع البلاء عن كثيرين إن نحن حاولنا أن نبحث بجد عن المحتاجين فعلا.
أزعم أن الفنان وكثيرين غيره لديهم الكثير من المحتاجين الذين يعيشون على ما يقدمه لهم المحسنون الباحثون عن الأجر. هؤلاء قد يكونون مجهولين لأغلبنا، وقد يكون الفعل الذي يمارسه المحسنون معهم بارا لدرجة تجعلنا لا نعلم بأنهم محتاجون. وكم شاهدنا من الحالات التي تكشفت في النهاية لمن كانوا يؤوون أسرا ويعلمون طلبة ويدفعون رواتب كل شهر.
تكشفت هذه الحالات بعد وفاة المحسن وانتهاء قدرته على تقديم الصدقات للمحتاج، ولهذا كان إعلان الصدقة أمرا محمودا في حالات كثيرة.