حلب الجريحة

قنت بنا إمام المسجد ودعا لحلب وأهل حلب الذين يواجهون أعنف هجوم خلال هذه الأيام العصيبة. حلب التي لم يكن أحد يتوقع أن تصبح أطلالا وخرابا. حلب التي أصبح القتلى فيها ينتشرون على قارعة الطريق ولا أحد يكترث لهم. حلب التي قرر العالم أنها منكوبة، لكنهم لم يجدوا في أنفسهم القدرة على إيقاف النكبة التي تواجهها المدينة الجريحة.
وزراء الخارجية يتصدرون المشهد والمكالمات لا تهدأ بين رؤساء الدول ومندوبي مجلس الأمن ولكن المعاناة مستمرة والقتل مستمر. لن أتحدث عن وحشية النظام، فهذه مجرد خطوة من قبله لضمان إخضاع كل الشعب لرغبة حزب واحد أو طائفة واحدة أو رجل واحد.
لن أتحدث عن الفرح الذي عم القنوات الداعمة للنظام والصور التي تنشرها عن الشوارع التي تحتفل بدمار المدينة العريقة، فتلك الأخرى غير مقبولة، فليس من المعقول أن يفرح المواطنون لقتل مواطنيهم أو تدمير مدينة في بلدهم أو انتشار جيوش أجنبية تأخذ إخوانهم وأخواتهم إلى مقاتلهم فتلك في حد ذاتها مصيبة جديدة.
الصمت الدولي هو ما يجعلني أشعر بالخجل، والضياع الفكري والإنساني هو ما يجعلني أضيق أيما ضيق، والهروب الكبير للمنظرين للوحدة والأخوة والشعور بالآخرين هو ما يدفعني للاعتقاد أن القيم التي كنا ننادي بها ونتظاهر بأهميتها ما هي إلا كلمات استهلاكية لا معنى لها.
إن الحديث عن الطائفية والدكتاتورية وغيرها من الألفاظ التي أبدعنا في اختيارها وتنسيقها ليس له مكان هنا، الإنسانية تستباح وما نشاهده اليوم في حلب لا علاقة له بأي دين أو ملة، فما هو إلا تصرف جنوني يدل على فساد بل انتهاء الإنسانية التي نعرفها.
لا يمكن أن يفعل أي من مدعي الإنسانية ما يفعله هؤلاء، فهم يمارسون أقذر الحروب ويقتلون النساء والأطفال، بل الأطباء لئلا يعالجوا أحدا. هل تخيلتم أن يقتل شخص شخصا ليضمن ألا يحصل أحد على العلاج في المستشفى، إلى هذا الحال وصل الغزاة المجرمون وهم يدمرون الأرض وكل من فوقها، هل هناك من يوجههم لفعل ذلك، وهل سيقتل أحدهم لو قرر أنه لن يقتل طبيبا أو طبيبة، أو طفلا أو طفلة؟
سؤال حيرني وأنا أشاهد الكم الهائل من الدمار وكما أكبر من عدم الاستيعاب يرتسم على وجوه وخطوات واستنجاد أهالي حلب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي