اقتصادنا .. النمو والانكماش والمتغيرات
حاولت جعل لغة المقال بسيطة، بهدف فهمه من عموم الناس.
لنفترض في عام من الأعوام أن مبيعات محل من المحال بلغت 800 ألف ريال. ولنفترض في العام التالي أن المبيعات بلغت مليون ريال. هل يعني ذلك أن كمية السلع التي باعها المحل زادت؟ هل يعني ذلك أن أرباحه زادت؟ والأسئلة نفسها ستطرح في الحالة العكسية أي حالة انخفاض قيمة المبيعات: هل يعني ذلك أن كمية السلع المبيعة نقصت؟ أرباحها نقصت؟
ليس شرطا. وأهم سبب احتمال التغير في سعر شراء وبيع السلع التي يبيعها المحل.
حالة اقتصادات الدول لا أقول تطابق، ولكن تشبه بعض الشبه حالة مبيعات المحل. وبدلا من الكلام عن كمية وقيمة المبيعات للمحل يكون الكلام عن كبر أو حجم الاقتصاد أي ما أنتجه الاقتصاد وقيمته في فترة زمنية كربع سنة أو سنة.
من أهم الإجراءات التي يطبقها من يعملون على قياس التغير في حجم الاقتصاد عملية تثبيت الأسعار. دون تثبيت الأسعار، قد يحصل انطباع خاطئ أن الاقتصاد صار أكبر أو أصغر، ولكنه قد لا يكون كذلك، بل بسبب تغير الأسعار. ويعبر عن تثبيت الأسعار بعبارة أسعار حقيقية، وأعتبرها تسمية غير موفقة. وعلى هذا نفهم أن كلمة أسعار حقيقية يقصد بها حالة تخيلية تقوم على أساس استبعاد التضخم، أي حالة تقوم على افتراض أن الأسعار لم تتغير أصلا. والهدف معرفة التغير في حجم الاقتصاد مع مرور الوقت بمعزل عن التغير في الأسعار. ويكون ذلك بتثبيت السعر عند مستوى سنة بعينها. ذلك لأن ارتفاع أو انخفاض الأسعار غالبا يعني أن قيمة المبيعات زادت أو نقصت. وهذه قد توحي بأن كمية الإنتاج زادت أو نقصت، ولكنها حقيقة قد لا تكون زادت أو نقصت.
هل يناسب تطبيق الكلام السابق كما هو على اقتصادنا للتعرف على نموه أو عكس النمو وهو الانكماش؟
قبل محاولة الجواب، لنرجع إلى الأرقام الرسمية عن حالة نمو اقتصادنا.
تقول البيانات الأولية من هيئة الإحصاءات إن الاقتصاد نما خلال عام 2016 بالأسعار الحقيقية (حسب أسعار 2010) بنسبة تقارب 1.5 في المائة. وأن القطاع النفطي نما بنسبة 3.37 في المائة، والقطاع الحكومي بنسبة 51.0 في المائة، والقطاع الخاص بنسبة 11.0 في المائة.
ماذا بشأن الأسعار غير الحقيقية أي الأسعار الجارية كما هي؟ تقول بيانات هيئة الإحصاءات العكس. بلغ الناتج المحلي الإجمالي كله بالأسعار الجارية 2418 مليار ريال عام 2015، وبلغ 2378 مليار ريال عام 2016، أي أنه صغر أو بالتعبير الاقتصادي انكمش بنسبة 1.7 في المائة تقريبا. وكان هذا الانكماش في قطاع النفط، وبنسبة 10 في المائة تقريبا. أما القطاعان الخاص والحكومي فلم يصغرا أو ينكمشا حسب البيانات الأولية لهيئة الإحصاءات. ولنأخذ القطاع الخاص فقد بلغ ناتجه أو إنتاجه 1768 مليار ريال عام 2015، وبلغ 1791 مليار ريال عام 2016. أي بنسبة نمو 1 في المائة تقريبا (القطاع الحكومي بنسبة نمو 2 في المائة تقريبا).
هل يشعر الناس أن القطاع الخاص نما فعلا، أو بأضعف الإيمان بقي على حاله دون نقص؟
الناس يرون بعيونهم إجراءات الترشيد وتراجعا في المبيعات يؤثر سلبا في نمو القطاع الخاص في أي اقتصاد، ولذا أعتقد أن هيئة الإحصاءات تثير تساؤلات وعلامات استفهام.
من جهة أخرى، الأخذ بمنهج الأسعار الحقيقية فيه ضعف في التعرف على حقيقة نمو الاقتصاد المعتمد كثيرا على الخارج سواء في استيراد اليد العاملة أو استيراد السلع والخدمات. وطبعا نحن ندفع أجرة اليد العاملة المستوردة وقيمة السلع والخدمات التي نستوردها ندفعها بعملة صعبة أي عالمية على رأسها الدولار. وحتى لو دفعنا بالريال، فالمتسلم لم يقبل إلا لأنه يعرف أنه يمكنه تحويلها في أي وقت إلى عملة أخرى يرغب فيها، وبسعر صرف يعرفه مسبقا.
المصدر الأكبر لحصولنا على العملة الصعبة صادرات فإيرادات النفط. وانخفاض هذه الإيرادات بسبب انخفاض الأسعار وليس الإنتاج (أي أن الناتج المحلي بالأسعار الحقيقية لم ينخفض) يعني انخفاض قدرتنا على الشراء من الخارج. وهذا الانخفاض بدوره ينعكس سلبا على حجم اقتصادنا وهكذا.
الخلاصة أن احتساب الناتج المحلي بالأسعار الحقيقية لاقتصاد نفطي في نظري غير واقعي لتوضيح حقيقة نمو الاقتصاد.
هل من قياس ثالث أنسب؟ موضوع آخر لا يخلو من طول وتعقيد.