مريض نفسي إذًا أنت «مجنون»
أحد الأصدقاء بعد أن شكى لي بعض الضغوط النفسية التي يتعرض إليها، نصحته بزيارة طبيب نفسي يساعده على تجاوز تلك الضغوط، ردة فعله كانت عنيفة عندما قال "ما تستحي على وجهك أنا مجنون لأراجع طبيبا نفسيا".
الكثير كصاحبي يرى أن زيارة الطبيب النفسي "وصمة عار"، أو ضربا من الجنون، والكثير يرفض زيارة الطبيب بسبب الخجل، ويرى في ذلك "جريمة" يرتكبها في حق نفسه وسمعته، والقليل عندما يزور الطبيب النفسي يكون على استحياء وبشكل سري، لدرجة أن أقرب الناس له كوالديه وزوجته أو أبنائه لا يمكن أن يعلموا عن تلك الزيارة، وتبقى من الأسرار التي يمكن أن تعيش وتدفن معه دون أن يطلع عليها أحد. بزعمي أن المرض النفسي هو مرض طبيعي يمكن أن يتعرض له أي شخص، كبقية الأمراض الأخرى التي لا نخجل من البوح بها، وهي - أي الأمراض النفسية – يمكن تجاوزها دون زيارة طبيب كالإنفلونزا، وبعضها يتطلب زيارة طبيب، وقد تتضاعف وتتطور لو لم نبادر في علاجها، ولا أرى سببا مقنعا في الخجل منها إلا نظرة المجتمع، التي يجب أن تتغير بمزيد من التوعية، فالمجتمع يرى أن المريض النفسي مختل عقليا أو مجنون، وهذا خطأ، فحتى الأصحاء يحتاجون إلى زيارات دورية للطبيب النفسي؛ فضغوط الحياة تتطلب ذلك.
مثلا.. الرئيس الأمريكي السابق أوباما أفصح أنه يزور طبيبه النفسي بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، ولم يخجل من ذلك، لم ير فيه عيبا، ففي الغرب يسمى الطبيب النفسي بالطبيب السلوكي، ويراجعونه بشكل دوري كما يفعلون مع طبيب الأسنان مثلا.
ومن الأسباب التي تجعل الناس يحجمون عن العلاج النفسي قلة المراكز المتخصصة في هذا الجانب، وأعني هنا بالحكومية، وتلك المراكز أيضا ذات سمعة سيئة فقد كانت في الأساس مراكز لعلاج الإدمان من المخدرات وتحولت لاحقا إلى مراكز نفسية تعالج الجميع سواء المدمنون أو المرضى النفسيون.
نحتاج إلى توسع في هذا المجال ليشمل إيجاد طبيب نفسي في المراكز الصحية في الأحياء، وأن نحث الناس على زيارته وعيادته عند الحاجة، مع توعية إعلامية ورسمية حول المرض النفسي، وأنه شبيه بالأمراض العضوية الأخرى التي لا نخجل منها ولا نتأخر في زيارة الطبيب لعلاجها، فمضاعفات المرض النفسي خطيرة، وقد تتطور إلى حالات يستعصى علاجها عند الإهمال، والإهمال وارد بشكل كبير في ظل نظرتنا السلبية للطبيب النفسي، والعيب الذي يلتصق بالمريض في حال زيارته.