تأثير القرارات الحكومية في سوق العقار

يعد العقار جزءا لا يتجزأ من أي قطاع داخل المنظومة الاقتصادية, كيف لا والأرض تعد أحد عناصر الإنتاج الأساسية، التي إذا أضيف إليها رأس المال واليد العاملة والمبادرة التجارية, تشكلت لدينا قطاعات مختلفة تعزز الاقتصاد المحلي، وتدفعه نحو الابتكار والإنتاج. ودور الحكومات مهم وحساس لتحفيز الاقتصاد، ومحاولة دفع عجلة النمو، وتحسين بيئة الأعمال, وحيث إن العقار سلعة محلية، وهو جزء مهم من أي قطاع؛ لذا فهو يتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه القرارات التي تصدر بين الفينة والأخرى من الجهات الحكومية المختلفة, حيث تؤثر القرارات المتعلقة بالتنظيم العمراني والتخطيط بشكل مباشر في العقار، ويمكن أن توجه الاستثمار نحو منطقة معينة وتضعفها في منطقة أخرى, لذا فخروج تنظيمات جديدة تتعلق برفع كتلة البناء المسموح بها، التي تُعرَف بعدد الأدوار, أو طرح مشروع ضخم مثل مشروع القدية الترفيهي, أو صدور أنظمة تسمح بطرح صناديق الاستثمار العقارية المتداولة "ريت", كل ذلك له تأثير مباشر في السوق العقارية، وتوجيه الاستثمارات نحو منطقة معينة، أو أسلوب استثمار محدد, مثل التوجه نحو العقارات المدرة للدخل كاستثمار وتطوير, وقرار مثل رسوم الأراضي البيضاء من المتوقع أن يخفف من سلوك المضاربة واكتناز الأراضي وتوجيه الاستثمارات لتطوير البنية التحتية والوحدات السكنية في حال بقيت الأموال في القطاع نفسه, بينما التأثير غير المباشر الذي يمس قطاع العقار فيحتاج إلى تحليل؛ للتأكد من مدى تأثير القرارات المختلفة والمتعلقة بالسياسات النقدية، التي تعنى بقرارات مؤسسة النقد نحو تحقيق التوازن الاقتصادي عن طريق التحكم في النقد, والسياسات المالية، وذلك بتنظيم الإنفاق والإيرادات بما يخدم التوجه الاقتصادي للحكومة, وسياسات العمل والعمال، التي من أهمها في السعودية توطين الوظائف، ورفع نسبة السعودة.
لا شك أنه يصعب في هذه الأسطر المختزلة تحليل كل الأنشطة المؤثرة في السوق العقارية, لكن لنأخذ لمحة سريعة عن أهم القرارات التي يمكن أن تؤثر في سوق العقار سواء التجاري بشكل خاص, ومن أهمها هو هامش ربح قروض التمويل العقاري، التي تدخل تحت مظلة السياسة النقدية, التي ثبت بدراسات تجريبية تأثيرها في رغبة الأفراد في الحصول على تمويل سكني, وكذلك حصول المستثمرين على تمويل عقاري للاستثمار في عقارات مدرة للدخل، أو تطوير مشاريع عقارية جديدة, حيث إن تكلفة التمويل المرتفعة مع ارتفاع معدلات السايبور تعد غير مشجعة على التمويل، وبالتالي قد توقف أو تؤجل الإقدام على الاستثمار أو الشراء في السوق العقارية, وكذلك فإن الرسوم والضرائب التي تفرض على عقارات معينة مثل الرسوم على الأراضي، أو ضريبة تسجيل العقار التي تندرج تحت مظلة السياسة المالية من شأنها أن تعيد هيكلة السوق، وتوجه الاستثمارات فيها, وقد تضعف الإقبال عليها, مثل الرسوم على المحال التجارية والمكتبية التي ستدفع المستأجرين إلى تصغير المساحات المستغلة، أو إيجاد بدائل مثل المتاجر الإلكترونية لقطاع التجزئة وعربات الطعام المتنقلة Food Truck لقطاع المطاعم والأغذية, حيث إن هذه البدائل التي لا توجد عليها أي رسوم أو التزامات مالية تجاه الحكومة قد تضعف من الطلب على العقارات التي تحتوي على محال ومعارض ومكاتب, ولا سيما مع ارتفاع الإيجارت التي شهدتها السوق خلال الفترة الماضية, وكذلك من المؤثرات المهمة في العقارات المكتبية هو معدلات البطالة، ما يعكس رغبة الشركات والمؤسسات في توسيع أو تقليص أعمالها, كما أن نمو دخل الفرد ومؤشرات الإنفاق الاستهلاكي تعطي دلالة على توقعات نشاط أو ركود قطاع التجزئة للسلع الكمالية بالذات وقطاع الترفيه وبالتالي تتأثر العقارات المعدة لهذا الغرض مثل «المولات» والمحال والفنادق والنشاطات الترفيهية, وقد مرت السوق المحلية بعوامل أثرت في دخل المواطن، إلى جانب اتجاه الحكومة إلى رفع الدعم الكامل عن الخدمات الأساسية حتى 2020, ومن شأن ذلك أن يؤثر في عدد من القطاعات، التي بدورها ستؤثر في العقارات التي تخدمها, وأما ما يتعلق بسياسة العمل والعمال التي توجهت فيها الحكومة لاستخدام السياسة المالية، وكذلك عن طريق فرض رسوم على العمالة الأجنبية لإحلال المواطن بدلا منه، وفي كلتا الحالتين سيؤدي ذلك إلى رفع تكلفة اليد العاملة، التي ستضاف على تكلفة المنتجات، وترفع الأسعار على المستهلك النهائي, وإضافة إلى ذلك قرارات التوطين التي استهدفت قطاعات معينة مثل الاتصالات وحاليا «المولات», وهذا بلا شك سيؤثر في العقارات التي تقع في تكتل محال الاتصالات وكذلك «المولات»، التي قد تشهد انخفاضا في إيجاراتها خلال الفترة المقبلة، خاصة تلك التي انتهى عمرها الاقتصادي وأصبح الإقبال عليها ضعيفا.
الخلاصة, من المهم أن يعي الفرد والمستثمر هذه التغيرات، ويعيد هيكلة استثماراته العقارية بناء عليها, كما يجب على الجهات الحكومية المختلفة أن تدرس آثار قراراتها على الأنشطة المختلفة، ومدى مواءمتها مع توجه الدولة الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي