أمير قطر .. والإمعان في طعن الأشقاء
تاريخيا، دول الخليج العربي تمثل أسرة واحدة تجمعها أواصر اجتماعية وأسرية واقتصادية، وتأتم بمبادئ العقيدة الإسلامية السمحة، وبأخلاق الفروسية العربية، وبمثلها وتقاليدها وأعرافها التي تعايشت معها على مدى الأزمنة، وما كان مجلس التعاون إلا مظلة لسيادة هذا الحيز الجغرافي بكل ما فيه من قوى بشرية ومن ثروات طبيعية ومن عوامل استراتيجية حرصت قيادات دول المجلس على أن تكون مخرجاتها قوة لشعوبها وقوة مضافة أيضا للأمة العربية ولأمن المنطقة وسلام العالم. ولذلك لم تستثمر دول المنطقة ثرواتها إلا في اتجاه تنمية أوطانها والإسهام في استقرار العالم اقتصاديا والمشاركة معه في صنع كل ما يصون كرامة الجنس البشري ويجنبه كل أنواع العنف وشرور الحروب.
هكذا لعبت دول مجلس التعاون الخليجي أدوارها بشرف منذ تأسيس المجلس، فرغم ما أحاق بالمنطقة من حروب فرضت عليها ونزاعات أشعلت على جوارها إلا أنها وقفت بصلابة لكي تحفظ لكل وطن تنميته وأمنه واستقراره.
ومن الطبيعي أن تجمعا كتجمع مجلس التعاون تتباين أحيانا فيه الآراء بين زعمائه بالنظر لعلاج مشكلة ما وكان التفاهم دائما والتوافق غالبا هو القاسم المشترك بين قادة دول المجلس، غير أن اندفاعا أحمق لا سبيل لتبريره يأتي على نحو مؤسف على لسان أمير دولة قطر يحمل في مضمونه وشكله ابتعادا عن الحكمة والبصيرة والسداد موجه لبث الفرقة، وهو ما لم يستطع معه قادة دول المجلس وشعوبه البحث له عن مخرج أو تبرير، فحين تتهم بلدان خليجية شقيقة من قبله بأنها إنما هي سبب الإرهاب؛ بينما هي نفسها أول من اكتوى به، وهي نفسها أول من جند كل عناصر قوته لضربه، وهي نفسها أول من شهد لها العالم بالجدارة على إنجاز وتحقيق ما عجزت عنه دول عظمى.
التصرفات اللامسؤولة للقيادة القطرية تجاوزت حتى أعراف الاشتباكات الإعلامية في مواقفها الحادة لأنها محاولة فاشلة للتستر على مثالبه وحماقاته السابقة في إدارة الشأن السياسي والتغول على حساب الشعوب الشقيقة المبتلاة بطغاة هدموا القرى والمدن على رؤوس أهلها وأحالوها إلى معتقلات وسلخانات، إلى صفاقة يجاهر بها للوقوف مع أعداء أمته الذين ظلوا يؤججون الفتن في البلدان العربية من لبنان إلى العراق ومن سورية إلى اليمن منذ أربعة عقود متمثلين بدولة الولي الفقيه في طهران التي أعلنت منذ قدوم الخميني 1979 أن هدفها تصدير الثورة، والواقع أنه تصدير للإرهاب المتوحش الذي لا مثيل له في التاريخ، والذي لم تنفع معه كل المحاولات بالطرق السديدة والحكيمة التي لم يأل قادة دول المجلس في انتهاجها، وفي مقدمتهم قيادة المملكة العربية السعودية، وعلى نحو يشهد به المجتمع الدولي في كل دوائره الشرعية من الأمم المتحدة إلى سائر المنظمات الإقليمية والدولية، فهل يمكن لعاقل أن يستسيغ هذا الحجم من البجاحة التي وصلت حد الوقوف إلى جانب حكومة الملالي في طهران التي يعتبرها العالم، وليس دول الخليج فحسب، الراعية الأولى للإرهاب في العالم.
أما هذا الحماس لمنظمة "حماس" والزعم بتمثيلها الشعب الفلسطيني، فأقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مروق على الإجماع العالمي على أن من يمثل الشعب الفلسطيني حكومته في السلطة في رام الله، فيما هؤلاء الحماسيون ليسوا سوى خلطة نزقة من فقه "الإخوان المسلمين" بنهجه القطبي، وفقه ولاية الفقيه في طهران، وغلاة حرسه الثوري، لم يشهد منها الشعب الفلسطيني سوى استدراج المجازر إليهم وحرمانهم أبسط مستحقات العيش الكريم.
ناهيك عن عاطفته الجياشة تجاه إسرائيل، فحتما أن جبين العار نفسه يندى خجلا من أن يبلغ به الأمر إلى هذا الحد الذي أحرج به قطر وشعبا خليجيا هو الشعب القطري وهو يتهافت على المائدة لكسب رضا العدو التاريخي لهم ولأمتهم، ليبقى المضحك المبكي أن يبلغ به الغرور إلى تقديم النصائح النفيسة للولايات المتحدة الأمريكية من باب التعريض أو الهمز واللمز الممجوجين، في إشارته إلى قاعدة العديد واعتبارها سر أسرار تفوق القوة الأمريكية التي منت بها دولة قطر على أمريكا ناهيك عن نصائحه المبطنة للرئيس ترمب، الذي فاته استثمار ذكاء هذه القيادة الخارق.
يحفظ التاريخ مثالا ذائع الصيت هو (حصان طروادة) وهو رمز لكيفية إدخال الأعداء إلى حومة الأمان لتكون النهاية كارثة بكل المقاييس، ولا ينطبق على كل تصريحات أمير قطر بجملتها إلا أنها من نوعية (حصان طروادة)، فهي كلمات ملغومة بالغدر، أراد بها أن تصيب الأسرة الخليجية في مقتل معنوي، وفاته أن الأسرة الخليجية، قادة وشعوبا، هي اليوم في عيون العالم أكثر شموخا وأشد قوة، وأن سمعتها في صدارة المحافل الدولية وهذا أمر حاولت قناة "الجزيرة" القطرية أن تنال منه فأعياها ذلك رغم مستشاريها الآتين من الكنيست الإسرائيلي، ومزاعم النضال، ورغم المأجورين من مرتزقة الإعلام ودجالي الفكر وزبانية "الإخوان المسلمين" ورغم المليارات من المقاولات السرية للتلفيق والترويج بكل ما يستهدف بث الفرقة وضرب أماني الأمة العربية وحقها في التنمية والعيش الحر الكريم، وسيبوء بالفشل أن تنطلي على الجميع تصريحات غير مسؤولة يحاول فيها من أطلقها التنصل منها بالزعم أنها مجرد اختراق أو ما شابه ذلك. كما باء بالفشل أضعافا مضاعفة كل قول شاذ مما أشرنا إليه أعلاه ومما أغفلناه من تصرفات وحماقات سابقة كنا نحسبها درسا لليقظة، لكن أمير قطر واأسفاه أمعن في طعن الأشقاء.