مشكلة الهند الأكثر إلحاحاً هي الطماطم لا ترمب
القفزة في أسعار الغذاء تبدد الآمال في خفض مبكر لسعر الفائدة وقد تشكل سياسات الرئيس الأمريكي تحدياً إضافياً
ليس دونالد ترمب أهم مشكلة تواجه الهند، على الأقل في الوقت الحالي. ربما يتبين أن سياسته التجارية المتشددة تهديد كبير لسلاسل التوريد والنمو العالمي. إلا أن الطماطم هي مصدر القلق الأكبر والأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى البنك المركزي في مومباي.
بشكل أكثر تحديداً: قفزةُ أسعار الطماطم بنسبة 161% الشهر الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، بسبب تأخر هطول الأمطار وغزارتها. ومع ارتفاع أسعار البطاطس والبصل، خرجت تكاليف الطعام عن السيطرة. إذ ارتفع متوسط تكلفة الوجبة المنزلية في أكتوبر –وجبة قياسية تتكون من الأرز وخبز الروتي والعدس والخضراوات والسلطة واللبن الزبادي– إلى أعلى مستوى منذ 14 شهراً، وفقاً لشركة الأبحاث كريسيل (CRISIL)، وهي شركة تابعة لوكالة إس آند بي جلوبال (S&P Global) في الهند.
تتضاءل فرص خفض سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الهندي في ديسمبر المقبل حتى قبل الانتخابات الأمريكية. لكن مع ارتفاع التضخم فوق الحد الأعلى للنطاق الذي يسمح به البنك المركزي البالغ 2% إلى 6%، يستبعد عديد من المحللين التيسير النقدي قبل بداية السنة المالية المقبلة في أبريل. وبحلول ذلك الوقت، ستكون سياسات الرئيس الأمريكي قد بدأت في إحداث تأثيرها، خاصة في سعر الصرف.
معضلة ترمب والطماطم
الطماطم الآن، وترمب لاحقاً. كلاهما قد يحد من هامش المناورة أمام بنك الاحتياطي الهندي، أي مدى قدرته على التدخل بسرعة لإنقاذ الاقتصاد المتباطئ، ومقدار المساعدة التي يستطيع تقديمها.
ارتفاع تكلفة المعيشة وانخفاض نمو الدخل يقوضان الطلب الاستهلاكي، خاصة في المدن الكبرى. لكن الدولار الأمريكي يرتفع، وقد سحب الأجانب أكثر من 13 مليار دولار من سوق الأسهم الهندية مرتفعة التقييمات منذ بداية الربع الأخير من هذا العام. وقد يؤدي انخفاض أسعار الفائدة الهندية إلى تفاقم هروب رأس المال، إذا سادت حالة الحرب التجارية العالمية، وانطلقت من نقطة تراجع الضغوط التضخمية المحلية.
تهدد الرسوم الجمركية المقترحة من الرئيس الأمريكي المنتخب بدفع شبكات الإنتاج العالمية إلى حالة من الفوضى. ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر في أسعار المستهلكين الأمريكيين، وتبطئ وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
فوائد وأضرار السياسة التجارية
تأثير هذه الرسوم الكبير في المصدرين الصينيين ربما يجلب بعض الفوائد لمنافسيهم من الهنود، على الرغم من احتمال أن تتحول أي مكاسب في الحصة السوقية، إلى مكاسب قصيرة الأمد، إذا سمحت بكين بإضعاف قيمة اليوان بشكل كبير أمام الدولار.
علاوة على ذلك، فإن ترمب المتشدد في سياسته التجارية لن يترك الهند سالمة بلا أضرار. وهناك أسباب عديدة تجعلنا نشك في أن الإدارة القادمة ستضغط على نيودلهي بقوة لمصلحة شركات التكنولوجيا الأمريكية. ففي 2019، خفض ترمب بعض الواردات القادمة من الهند والمعفاة من الرسوم الجمركية بموجب "نظام الأفضليات المعمم" الذي استمر لعقود، وذلك تحت زعم إخفاقها في توفير إمكانية دخول أسواقها بشكل "منصف ومعقول". وكان ذلك مجرد ضربة خفيفة على الأصابع. أما هذه المرة، فالاحتمالات أكبر بكثير.
ربما كان لدى إيلون ماسك، الذي عينه ترمب بالمشاركة على رأس إدارة جديدة للكفاءة الحكومية، مصلحة مباشرة في عدد من الصراعات حول الوصول إلى هذه السوق، حيث تأمل شركة ستارلينك (Starlink) التابعة لماسك في تقديم خدمات إنترنت النطاق العريض عبر الأقمار الاصطناعية في الهند، وتريد من الحكومة تحديد رسوم لها.
ويبدو أن نيودلهي تتقبل هذه الفكرة، لكن أباطرة الأعمال المحليين النافذين، مثل موكيش أمباني وسونيل بهارتي ميتال، يعارضون ذلك. إنهم يطالبون بمزاد تنافسي لضمان المساواة بين الطيف المحمول الأرضي والفضائي. وتزايدت كثافة هذه الضغوط حتى قال مركز بحثي مقره نيودلهي هذا الأسبوع إن علاقات "ستارلينك" مع المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية تجعلها "ذئباً يتخفى في ثياب الحمل".
معركة السيارات الكهربائية
ربما كان ذلك مجرد مجال واحد فقط من المجالات التي يرغب اللاعبون المحليون الأقوياء في حماية مصالحهم فيها، حتى مع ضغط ترمب على نيودلهي لفتح السوق. فعلى مدى سنوات، سعت كل من "تسلا" وحكومة ناريندرا مودي إلى أن يتقرب بعضهما إلى الآخر دون جدوى، وذلك بشأن مصنع مقترح لإنتاج السيارات الكهربائية. وفي مارس، خفضت الهند رسومها الجمركية على السيارات الكهربائية، أملاً في تدعيم حملة إعادة انتخاب مودي من خلال الحصول على زيارة من رئيس "تسلا". ومع ذلك، لم يظهر إيلون ماسك، وخطة مصنعه في الهند أصبحت ميتة تقريباً.
قد يكون الطلب الهندي على السيارات التي تعمل بالبطاريات غير مهم بما يكفي في الوقت الحالي لتستحق حرباً تجارية شاملة. لكن ذلك سيتغير مع تشكل البنية التحتية لشحن البطاريات وتشغيلها. ومع ذلك، سيحتاج ترمب إلى توخي الحذر لعدم الضغط على مودي بقوة كبيرة. فحتى شركة بي واي دي (BYD) الصينية حريصة على صناعة السيارات الكهربائية محلياً، وتنتظر تطوير علاقات أكثر دفئاً بين بكين ونيودلهي للموافقة على مقترح مشروعها المشترك.
منافسة متعددة الأبعاد
هذه المنافسة متعددة الأبعاد قد تتحول إلى حالة من الفوضى، حيث يضغط قادة قطاع التكنولوجيا الأمريكيون على واشنطن لتيسير دخول تلك السوق، بينما تدفع بعض المؤسسات الهندية نيودلهي نحو تقييد هذا الدخول، ويدافع آخرون نيابة عن شركائهم الصينيين. وبدلاً من الجمع والتقريب التلقائي بين المصالح التجارية للمنافسين، ربما يكون من الأفضل إذا أتاح ترمب الفرصة لمودي حتى يعالج تباطؤ الاقتصاد المحلي أولاً.
بفضل عدم المساواة المتزايد في الدخل والثروة في الهند، سيكون هناك كثير من مشتري السيارات الكهربائية في السنوات المقبلة. أما القاعدة الواسعة من الهرم الاجتماعي فهي التي تكافح من أجل تحمل تكاليف وجبة لائقة وتحتاج إلى اهتمام عاجل من خلال إعادة تنشيط النمو على نطاق واسع في الوظائف والدخول.
دع السلطات تعالج مشكلة الطماطم أولاً. فمشكلة ترمب ورسومه الجمركية يمكنها الانتظار.
خلاصة
تواجه الهند حالياً أزمتين متزامنتين، الأولى محلية تتمثل في ارتفاع أسعار الطماطم بنسبة 161% وتكاليف المعيشة، والأخرى خارجية تتعلق بالسياسات التجارية المحتملة لدونالد ترمب وتأثيرها في الاقتصاد العالمي والهندي. أزمة الغذاء في الهند، التي تفاقمت بسبب الظروف المناخية، دفعت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها، ما يعقد جهود بنك الاحتياطي الهندي للتخفيف من التضخم أو خفض أسعار الفائدة. في الوقت نفسه، تؤثر هذه التحديات الاقتصادية في الطبقات الفقيرة التي تعاني ارتفاع تكاليف الوجبات الأساسية.
على الصعيد الدولي، تضغط سياسات ترمب التجارية المتشددة على نيودلهي لتقديم تنازلات لشركات التكنولوجيا الأمريكية مثل "تسلا" و"ستارلينك"، بينما تواجه مقاومة من الشركات الهندية المحلية. قد تؤدي هذه الضغوط إلى اضطرابات في السوق إذا لم تُدَر بحذر. في ظل المنافسة متعددة الأبعاد بين المصالح الأمريكية والصينية والهندية، تحتاج الحكومة الهندية إلى معالجة أولوياتها الداخلية أولاً، خاصة أزمة الغذاء، قبل مواجهة التحديات العالمية المتمثلة في الحمائية الأمريكية وتأثيراتها الاقتصادية.
خاص بـ "بلومبرغ"