مدربو التنمية البشرية .. وتطوير القدرات

قبل سنوات قريبة كانت سوق التدريب الأهلية تعج بالفوضى والفساد والمحسوبيات، وكانت معاهد ومراكز التدريب تمثل نموذجا مخجلا في المخرجات الفاشلة والتعليم المتدني. كان الآلاف يحصلون على شهادات غير مستحقة وهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الحضور أو الاستماع أو الاختبار.
وقد بادرت "المؤسسة العامة للتدريب الفني" بإعادة صياغة أنظمة الرقابة على المعاهد وشددت في منح التراخيص. واستحدثت كثيرا من الضوابط الميدانية التي أسهمت في الحد من تلك الفوضى العارمة التي كانت موجودة.
واستمرت المؤسسة في الرقابة الصارمة التي شملت كل ما يقدم داخل المعاهد من مناهج ودورات وربطت منح الشهادات بنظام اعتماد موثق يصعب معه التزوير أو التلاعب بالشهادات الصادرة كما كان في السابق. وقد خرج من السوق بسبب هذه الأنظمة عشرات المعاهد غير المؤهلة، وأغلقت المؤسسة معاهد أخرى لم تلتزم بالأنظمة.
وأستطيع القول: إن المؤسسة العامة نجحت في إعادة سوق التدريب الأهلية إلى مسارها الطبيعي وانتشالها من حالة الفوضى التي كانت غارقة فيها.
ولكن بقي هناك أمر مهم جدا يتعلق بوضع المدربين باعتبارهم العنصر الأهم في تطوير الأداء ونقل الخبرات للمتدربين، فانتشار شركات التدريب ومراكز ومعاهد التدريب الحكومية والخاصة أوجد فرصا كبيرة لاستقطاب المتدربين.
ولكن لم يواكبها ضوابط لاختيار المدربين المؤهلين ودخل المجال مدربون كثر لا يملكون الخبرة ولا التأهيل الكافي ولا الشهادات المتخصصة، وانعكس هذا سلبا على سوق التدريب. وأصبحنا نقرأ عن ألقاب طريفة ومنجزات وهمية ومسميات مجهولة، فبات لدينا كبير المدربين، وكبير استشاريي التدريب وإمبراطور المدربين، ومخترع التطوير البشري، وأم المدربين العرب، وغيرها من الألقاب التي أصبحت محل تندر في مجال يعد من أهم مجالات التنمية والتطوير البشري! وزاد الأمر سوءا أن هؤلاء المدربين يدربون في كل شيء ففي الصباح يدرب في "إدارة الأعمال"، وفي المساء يدرب في "الإرشاد النفسي"، وفي الغد يدرب في "العلاقات العامة" وهكذا!
أما الشهادات فحدث ولا حرج! فمجال التدريب أصبح المكان الأساس لأصحاب الشهادات الوهمية وقد وثق الدكتور موافق الرويلي صاحب المشروع الوطني لمحاربة الشهادات الوهمية مئات الممارسات والشهادات الوهمية لممارسي التدريب.
وفي نظري أن الحل كما شاهدت في كثير من التجارب هو صياغة نظام خاص برخص التدريب لكل من يرغب في ممارسة التدريب، حيث يصنف المدربون وفق ثلاثة مستويات، فهناك تصنيف أول لممارسي الخبرات العالية والشهادات العالية مثل أصحاب شهادة الدكتوراه ممن مارسوا خبرات كبيرة كقيادة الشركات أو المؤسسات الحكومية حيث يمكن من تصنيفه "كاستشاري تدريب" أن يستطيع التدريب في تخصصه عبر عدد معروف من الدورات المرخص له بها.
والتصنيف الثاني يكون تحت مسمى "إخصائي تدريب" وهم ممن يحملون شهادة الماجستير ويمتلكون خبرة جيدة في تخصصاتهم العملية تتجاوز السنوات العشر ويكون الترخيص لدورات محددة ترتبط بتخصصه وخبرته.
والتصنيف الثالث يمكن أن يكون تحت مسمى "مدرب معتمد" بمؤهل جامعي في تخصصه وخبرة لا تقل عن خمس سنوات في مجال التدريب الذي يرغب التدريب فيه، ويسمح لأصحاب هذا التخصص بتقديم دورات محددة لا تحتاج إلى خبرات كبيرة مثل دورات تطوير الذات أو الدورات التربوية والتقنية.
إننا مقبلون على تغيرات هيكلية كبيرة نحتاج معها إلى أن تكون سوق التدريب مواكبة لها ولا يمكن ذلك دون كفاءات تصنع الفارق وفق نظام مؤسسي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي