عادوا من الابتعاث وبدأت غربة أبنائهم
للوهلة الى قد يبدو الوضع عاديا، لكن من يتمعن في الأمر ويتعمق فيه فسيجد حتما أن كرة الثلج تكبر وتكبر، ما أعنيه هنا هم الأطفال الذين انتهى ابتعاث آبائهم وعادوا لوطنهم برفقة أطفالهم الذين لا يتحدثون العربية وكأنها لغة غريبة عليهم لا يعرفون عنها أي شيء، خاصة من ولد أطفالهم أثناء دراسته في الخارج. بالتأكيد ليس الأمر بالسهل أو الهين، أنا هنا لا أتحدث عن حالات فردية إنما عن أعداد كبيرة من الأطفال السعوديين الذين أصبحوا غرباء في وطنهم. ما دفعني لكتابة هذا المقال هو مقطع فيديو وصلني على تطبيق "سناب شات" خاص بابن قريبة لي وهي تخاطب ابنها البالغ من العمر ستة أعوام وهو يشتكي باكيا I could not speak like them يقصد أنه لا يستطيع التحدث مع أقرانه كما يتحدثون هم بطلاقة. هذا الطفل ولد ونشأ السنوات الخمس الى من طفولته في أمريكا متحدثا اللغة الإنجليزية كلغة ى له، وبعد عودته إلى أرض الوطن أصبح غريبا وسط من هم في عمره، بسبب عدم نطقه للأحرف بشكل سليم. حاول والداه البحث عن حل لهذه المشكلة من خلال إلحاقه بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم حتى يستطيع أن ينطق الحروف بشكل سليم صحيح، ولكن ذلك لم يكن كافيا فما زال يعاني عدم مقدرته على اللحاق بركب أقرانه في التحدث باللغة العربية. في الحقيقة، هذا نموذج واحد وقصة واحدة فقط من مئات نماذج أطفال المبتعثين والمبتعثات الذين يمكثون سنوات طويلة لاستكمال الدراسة خارج الوطن فيلدون أطفالهم هناك أو يذهبون في سن مبكرة مع أهاليهم المبتعثين وكانت النتيجة بعد انتهاء فترة الابتعاث أن هؤلاء الأبناء يواجهون مشكلات كبيرة في عالمهم الدراسي، بسبب عدم مقدرتهم على التواصل باللغة العربية بشكل سليم. فمنها ما هو نفسي ى نتائجه ميلهم إلى الانعزال والبعد عمن يماثلهم في العمر بعد محاولات فاشلة تنتهي بعدم مقدرة أقرانهم الذين لا يتحدثون اللغة الإنجليزية على فهمهم واستيعابهم، ما يضطر الآباء الذين (خنقتهم) الغربة ماديا إلى دفع مبالغ (فلكية) للمدارس العالمية بحثا عن بيئة مناسبة قريبة من بيئة التعليم في أمريكا، لكن الفرق أنهم يضطرون هنا إلى الاقتراض من أجل تحقيق ذلك لعدم وجود فصول دراسية تعتني بحالاتهم ودون مقابل في مدارسنا. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى وقفات توعوية من الجهات ذات العلاقة، نعم آباؤهم درسوا وتخرجوا في نظام الابتعاث، لكن في المقابل تواجههم معضلة ربما كانت في حسبانهم، لكنهم تجاهلوها ولم يحاولوا جاهدين حلها قبل عودتهم لعدة أسباب: ها يتعلق بفرحتهم وانبهارهم لتحدث أبنائهم اللغة الإنجليزية بطلاقة فأصبحوا هم أيضا يتحدثون معهم داخل المنزل بهذه اللغة دون حرص كبير على لتواصل باللغة العربية، ثانيها هو أن وقت الآباء المبتعثين لم يكن كافيا لتكثيف تعليم أبنائهم اللغة العربية في ظل انشغالهم بدراستهم، وقد يكون السبب أيضا من نوع آخر هو عدم وجود الأكاديميات السعودية في مناطق قريبة من مناطق بعثة الآباء أو أن المجتمع والنظام الدراسي الأمريكي كانا أقوى وأقدر على جذب انتباه الطفل أكبر بكثير من أهاليهم. لا أحد ينكر أن الأهل يتحملون الجزء الأكبر من تلك النتائج السلبية التي قد يصل إليها الأبناء بعد الابتعاث، لكن مهما تعددت الأسباب فلا بد أن ننظر إلى هذه المشكلة من زاوية أخرى تماما. فالثروة اللغوية التي تنتج من الابتعاث من المفترض أن تُحتضن وتُستثمر بشكل سليم من الجهات المعنية، أولهما وزارة التعليم. وأعتقد أن أحد الحلول المتاحة أمامهم هو تخصيص فصول دراسية في عدد من المدارس الحكومية (المهيأة) والموزعة في بعض الأحياء، حيث تخصص لتدريس المناهج باللغة الإنجليزية وستكون النتيجة من ذلك أننا (سنضرب عصفورين بحجر واحد)، ال أن شعور الغربة لأطفال المبتعثين سيزول شيئا فشيئا لإحساسهم بالانتماء بينهم وبين أقرانهم الذين جمعتهم ظروف الغربة داخل تلك الفصول الدراسية، والآخر هو إمكانية تحدثهم باللغة العربية بشكل سليم من جراء مخالطة الآخرين من الطلاب الذين يتحدثون العربية، وربما يكون هناك (عصفور ثالث) هو اكتساب الأطفال الذين لا يتحدثون إلا باللغة العربية في تلك المدارس، اللغة الإنجليزية من أقرانهم أطفال المبتعثين. *طالبة دكتوراه في الإعلام / أمريكا