تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من رسوم الأراضي
في الوقت الذي مضى خلاله تطبيق المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات بوتيرة بطيئة، وهي المرحلة التي تشمل الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده وزارة الإسكان، عدا ما واجهته الوزارة من مماطلة وتأخير من قبل ملاك تلك الأراضي، وهو ما أضعف كثيرا في مجمله من التأثير المستهدف للدولة من إقرارها نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي كان يستهدف تحريرا أكبر للأراضي من قبضة الاحتكار، وزيادة سرعة ضخها وتطويرها على جانب العرض، ما سيسهم بدوره في خفض التضخم الهائل في أسعار الأراضي والعقارات، الذي سينتقل أثره الإيجابي إلى زيادة تمكين أفراد المجتمع من تملك مساكنهم، والتخفيف من حدة أزمة الإسكان، إلا أنه لم يحدث حتى تاريخه. وكل ما شهدته السوق العقارية طوال الفترة الماضية، لم يتجاوز تأثرها المحدود بآثار العوامل الاقتصادية والمالية القائمة، إضافة إلى آثار الإصلاحات الهيكلية الواسعة التي تعكف الحكومة على تنفيذها تحت مظلة "رؤية المملكة 2030"، وهو الأمر الذي يثبت استدامة جزء كبير من المناعة المعهودة لأي شكل من أشكال الاحتكار في أي سوق كانت، وهي هنا في السوق العقارية المحلية لا تزال في منأى بعيد عن التأثر اللازم بنظام الرسوم على الأراضي، سواء حسبما تظهره مؤشرات السوق، أو حسبما تؤكده التصريحات المتكررة لوزارة الإسكان. ولعل تصريحها الأخير الذي توعدت خلاله المماطلين في دفع الرسوم المستحقة عليهم، بأشد وأقسى العقوبات والغرامات، خير شاهد ودليل على المناعة الصلبة التي ما زال احتكار الأراضي البيضاء يتمتع بها.
قياسا على أن العمر الافتراضي للمرحلة الأولى من المراحل الأربع المقررة لتطبيق نظام الرسوم على الأراضي قد أتم فترة 18 شهرا. ونظرا للأهمية القصوى التي تتعلق بهذا الأمر المرتبط بأحد أكبر التحديات التنموية الراهنة، ممثلا في أزمة الإسكان المحلية، فإنه من المؤكد أهمية أن ترفع اللجنة الوزارية المعنية بمراجعة نتائج البرنامج الزمني لتطبيق رسوم الأراضي البيضاء، إلى مجلس الوزراء بتوصية البدء بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من النظام، والتأكيد على التطبيق الحازم للمرحلة الأولى، التي ما زالت متأخرة حسبما أوضحت وزارة الإسكان في تقريرها السنوي الأخير. وهي اللجنة التي كان مجلس الوزراء قد قرر في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2017 تشكيلها برئاسة وزير المالية، وعضوية كل من: الدكتور عصام بن سعد بن سعيد وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، ووزير التجارة والاستثمار، ووزير الإسكان، وفهد السكيت المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وتتضمن المرحلتان المقصودتان أعلاه، المرحلة الثانية: التي تشمل الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. بينما تشمل المرحلة الثالثة من مراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع. مع التذكير أن المرحلة الرابعة: تشمل الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. وحسبما ورد في النظام واللائحة التنفيذية، إذا لم تنطبق مرحلة معينة على أي من المدن، أو لم تكف الأراضي ضمن مرحلة معينة لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، فيجوز بقرار من وزير الإسكان تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة التالية.
لا تقع مسؤولية التصدي لهذا التحدي التنموي الجسيم على عاتق وزارة الإسكان فحسب، بل أيضا يتحملها عديد من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وهو ما تنبه إليه مجلس الوزراء الموقر في كثير من قراراته ذات العلاقة بأزمة الإسكان، وما قراره بتشكيل اللجنة الوزارية أعلاه برئاسة وزير المالية، إلا شاهد على هذه الرؤية الثاقبة، وهو المنتظر دون أدنى شك من فريق عمل تلك اللجنة، لتبادر بالرفع بتوصيات أكثر فاعلية وصرامة إلى رئاسة مجلس الوزراء الموقر، وتحقيق التقدم المأمول في هذا الشأن التنموي والحيوي، الذي يؤمل أن يؤتي ثماره بدرجات أسرع بكثير، مقارنة بما اعترى تطبيق نظام الرسوم على الأراضي من تأخير ومماطلة، انعكست آثاره سلبا على بطء معالجة أزمة الإسكان كأحد أهم وأكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء.
لن تقف عوائد تحقق النجاح المنتظر في هذا الطريق التنموي البالغ الأهمية عند حدود تسهيل مهام وزارة الإسكان فحسب، بل تمتد إلى آفاق أكثر اتساعا وأهمية، تشمل تسهيل ودعم الجهود الواسعة المبذولة خلال الفترة الراهنة من عمليات الإصلاح الاقتصادي التي تمر بها البلاد، إضافة إلى رفع مكتسبات دائرة واسعة جدا من أفراد وأسر المجتمع، نتيجة لتلك الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية البالغة الأهمية، وهو الهدف المنشود للجميع دون استثناء.
إننا نتطلع بثقة كبيرة إلى اللجنة الوزارية المنوط بها مسؤولية مراجعة نتائج البرنامج الزمني لتطبيق رسوم الأراضي البيضاء، واقتراح ما تراه مناسبا في شأنها، والرفع بها لمجلس الوزراء، بأن تعكف بتركيز أكبر وأعمق خلال الفترة الراهنة البالغة الأهمية للبلاد والعباد على هذا الملف التنموي، وأن تحفز أداء وزارة الإسكان في خصوص تطبيق نظام الرسوم على الأراضي، وهو الدعم اللازم لجهود الوزارة في هذا الخصوص، وأن تترجم تلك الجهود بتوفيق الله على أرض الواقع، بما يسهم في سرعة الخروج من براثن أزمة الإسكان المحلية، والوصول بالأفراد والأسر إلى بر الأمان، تجاوزا لأغلب المعوقات والتشوهات التي عانتها السوق العقارية لعدة عقود طويلة مضت. والله ولي التوفيق.