التمويل المسؤول .. وتعليمات القروض العقارية
تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي باستمرار بدورها في تنظيم عمليات الإقراض وعلاقاته. فالقطاع المصرفي هو عصب الاقتصاد الذي يعمل على تحريك السيولة بين أقطابه لدعم كفاءة استخدام النقد والائتمان. ولكنه بطبيعته المتخصصة، يتطلب أن يكون شبه احتكاري، ليعمل عدد محدود على تقديم خدمات الإقراض والاحتفاظ بالودائع، وبالتالي نتيجة هذه الطبيعة الاحتكارية، فمن الضروري أن يعمل المشرع والمنظم على موازنة وضبط العلاقة بين مقدمي الخدمة والعملاء. لذلك قامت مؤسسة النقد أخيرا بإصدار مبادئ التمويل المسؤول للأفراد، التي كرست فيها أساسيات وأنشطة تعمل بعض المصارف بها ولكن دون مرجع عام محدد. فكانت المبادئ المعلن عنها بمنزلة منهج يعمل على تكريس الاعتماد على أفضل الممارسات والأنظمة والنماذج المالية لضمان عدالة عقود التمويل وسلامة النظام المصرفي.
أهم ما جاء في المبادئ كان في مواد خصصت لتحديد سقف إجمالي الالتزامات على العميل، حيث أصبحت مرتبطة بمبلغ الدخل الشهري. فبينما خفض السقف لذوي الدخل أقل من 15 ألف ريال إلى 55 في المائة، بقي كما هو عليه للدخل أعلى من 15 ألفا وأقل من 25 ألف ريال عند 65 في المائة، بينما ترك المجال للمصرف لتحديد سياسته الخاصة لذوي الدخل أعلى من 25 ألف ريال شهريا. وهي بذلك تحدد مسؤوليات كل طرف في عقد التمويل. فعندما يقوم المصرف بتمويل كل الشرائح، فإن عليه الأخذ في الاعتبار معلومات أوسع عن وضع المقترض المالي والتزاماته الشهرية التي تتنوع بين مصاريف الأغذية والتعليم والإيجار وخلافه. الأمر الذي سيوفر قاعدة بيانات أكبر تمكن القطاع المصرفي من بناء نماذج تحليلية قادرة على تحديد المخاطر بشكل أدق. إضافة إلى ذلك، متى ما قام المصرف بالدخول في عملية تمويل يكون المقترض فيها قريبا من الحد الأعلى للاستقطاع، فإن المخاطرة والمسؤولية تقع على المصرف، وبالتالي إن حصل تغيير في القسط الشهري، فإن على المصرف تمديد القرض دون تحميل العميل أي تكاليف. وبذلك تعمل المبادئ على رسم حدود مسؤوليات كل طرف. كما وضعت المبادئ تعاريف للمصطلحات المستخدمة في عمليات التمويل لتعميق الفهم بين الأطراف كافة، فعلى سبيل المثال الدخل الشهري بات يعني كل دخل مستمر يمكن إثباته بدلا من قصره على الراتب فقط.
كما قامات مؤسسة النقد أيضا بإصدار تعليمات خاصة بعمليات منح التمويل العقاري للأفراد. فبعد تباين الآراء حول فروض الإجارة ذات التكلفة المتغيرة، من عدم وضوح آلية احتساب الفائدة وسعر الفائدة المرجعي، بات لزاما على مقدمي القروض العقارية توضيح جميع تفاصيل العقد وتكاليفه بشكل كامل. فالمصارف احتاطت بداية الأمر لأنفسها بإحكام العقود في حالة التعثر، ولكن نظرا لأننا مررنا بفترة طويلة من أسعار الفائدة المنخفضة، فقد تم إغفال التركيز على هذه الجوانب من العقود. فبعضها احتوى سعرا واحدا هو هامش الربح دون تفصيل للجزء الثابت والمتغير، والبعض الآخر لم يربط الجزء المتغير بمعيار محدد يمكن للعميل مراقبته. مؤسسة النقد في تعليماتها ومبادئها الأخيرة تؤسس لمرحلة جديدة ترفع فيها من مستوى الشفافية وكمية المعلومات المتوافرة لجميع الأطراف، ما سينعكس إيجابا على عمليات الإقراض كافة، كفاءة وعدالة.