أزمة البطالة .. وتطوير «نطاقات»
لا تزال أزمة البطالة تشكل تحديا وهاجسا كبيرا لجهود الدولة والمجتمع، ولم تفلح التغييرات الوزارية التي طالت أربعة وزراء في أقل من ثلاث سنوات وإعادة هيكلة وزارة العمل، في حل للأرقام المتصاعدة للعاطلين والعاطلات، وقد شكلت الإحصائية الصادرة من هيئة الإحصاءات العامة صدمة كبيرة بعد أن تجاوزت النسبة 12 في المائة، والتفاصيل تشير إلى وجود مليوني شاب وفتاة في قوائم العاطلين والباحثين عن عمل.
هذه الأزمة حديث مواقع التواصل التي تنشر تفاصيل مؤلمة لهؤلاء الشباب والبنات، الذين أمضوا السنوات الطويلة في البحث والدراسة والتأهيل ليجدوا أنفسهم على رصيف "البطالة" والفراغ القاتل، وطالت الأزمة أبناء النخبة، وشاهدت مسؤولين وأعضاء في مجلس الشورى ونجوم مجتمع وكتابا وأكاديميين يتكلمون بحرقة عن بطالة أبنائهم، وصعوبة الحصول على فرص عمل، ومما يؤلم أكثر أن هذه الأزمة طالت خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وأصبح خريجو "هارفارد" و"كامبردج" في قوائم البطالة، ولو لم أشاهد نخبة من هؤلاء الخريجين وهم يستعرضون بشهاداتهم بالصوت والصورة لما صدقت ذلك!
وما نشرته الصحف الرسمية يجسد جوانب مؤلمة أيضا من الأزمة، فإحدى الصحف الرسمية نشرت عن ستة آلاف طبيب وطبيبة ضمن قوائم العاطلين، أما خريجو الدكتوراه والماجستير فتجاوزوا أربعة آلاف خريج وخريجة، أما خريجو الهندسة أيضا فهم ضمن الأرقام بوجود أكثر من 700 مهندس بلا عمل.
وزارة العمل تقف اليوم في موقف ضعيف جدا أمام طوفان الأزمة وتصاعدها، واكتفت ببعض الحلول الشكلية التي لا تجدي مع أزمة تتجذر بفعل ضعف الأنظمة وضعف الرقابة وإدمان العمالة الوافدة.
فحين تصر وزارة العمل على سعودة وظائف محال الأواني المنزلية أو الحراسات الأمنية أو محال بيع قطع الغيار، فهذا لا يعني إنجازا بقدر ما هو ترحيل للأزمة، فماذ يفعل العائد من الابتعاث بوظائف مثل هذه تعد أقل من مهاراته وأقل من طموحاته أيضا!
كل الحلول التي تنطلق منها وزارة العمل تعتمد على برنامج، "طاقات" الذي يهتم بالتوطين كأرقام عشوائية لا تخضع للنوعية، ولذلك تستغل الشركات هذا البرنامج من خلال تحقيق النسب المطلوبة للتوطين عبر توظيف وظائف دنيا لا تشكل حلا لأزمة سوق العمل ولا تتجاوز عادة توظيف حراس الأمن أو المعقبين أو موظف الاستقبال.
بينما تسيطر العمالة الوافدة على الوظائف القيادية والتنفيذية التي تتحكم في مفاصل العمل والتوظيف، وهنا مركز الصراع والنفوذ الذي لم تستطع وزارة العمل الاقتراب منه.
وفي رأيي إذا أرادت وزارة العمل أن تنجح فعليها أن تتجه إلى أعلى السلم، حيث مواقع التوطين وصناعة الموارد البشرية، كما تهتم بذلك كل دول العالم، وأعتقد أن ذلك يتطلب من وزارة العمل وبشكل عاجل تصميم برنامج "نطاقات" خاص بتوطين الوظائف القيادية وحصرها والعمل بشكل متواز مع برنامج "نطاقات" الحالي الذي يهتم بالوظائف الأخرى.
ولو استطاعت الوزارة إجبار الشركات والمؤسسات الوطنية على توطين الوظائف القيادية بشكل مدروس لكان ذلك إنجازا وطنيا، إذ تشمل هذه الوظائف الذهبية كثيرا من المسميات مثل مدير عام، مدير تنفيذي، مدير موارد بشرية، مدير التدريب والتطوير، مديري المبيعات والتسويق، مديري الفروع والمناطق، مديري تقنية المعلومات، ومثلها كثير يستحقه شبابنا المؤهلون مع إحكام الرقابة، وتعزيز العقوبات، وتطوير برامج التفتيش ومنع الاستقدام على هذه المهن.
وعلينا أن نتذكر أن التجارب الناجحة للقيادات السعودية في شركات أرامكو وسابك ومعادن وشركات الكهرباء والاتصالات والخطوط السعودية وجميع أجهزة الدولة الحكومية تؤكد أن أبناء هذا الوطن هم ثروة الحاضر والمستقبل، وهم فقط في حاجة الى فرص.. فمن يسمعنا؟