أركان وشروط المسؤولية المدنية في النظام السعودي «3»
في إطار تناولنا لموضوع المسؤولية المدنية في النظام السعودي تحدثنا في مقال العدد السابق عند جزئية الضرر في المسؤولية العقدية، حيث تناولنا أن الضرر ينقسم الضرر في عمومه إلى ضرر مباشر وضرر غير مباشر، ضرر محقق وضرر محتمل، وضرر أدبي وضرر معنوي؛ حيث تحدثنا عن التقسيمين الأولين وسنتحدث اليوم عن الضرر الأدبي والضرر المعنوي.
ينقسم الضرر إلى ضرر يصيب الشخص في جسمه أو ماله ـــ ضرر مادي ـــ، وضرر لا يصيب الجسم والمال ولكنه يقع على السمعة أو الشرف أو المركز المالي أو الاجتماعي وما إلى ذلك من أضرار قد تصيب نفسية الشخص وهو ما يعرف ــــ بالضرر الأدبي أو المعنوي ــــ. وإذا كان الاتفاق قائما بينما بين فقهاء الشريعة الإسلامية على جواز التعويض عن الضرر المادي، إلا أن الخلاف قائم حول مدى جوازية التعويض عن الضرر المعنوي أو الأدبي في الفقه الإسلامي وفي النظام السعودي القائم عليه. حيث يرى جانبا من الفقه الإسلامي عدم جواز التعويض عن الضرر الأدبي لأن الشريعة الإسلامية لا تأخذ بمبدأ التعويض المالي عن الضرر الأدبي، بينما يرى آخرون إلى جواز التعويض عن الضرر الأدبي في الفقه الإسلامي وذلك لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" جاء عاما ولا يجوز قصره على الضرر المادي حيث إن القاعدة الفقهية تنص على أنه لا تخصيص بدون مخصص، كما أن العام يظل على عمومه ما لم يرد ما يقيده.
من هذا المنطلق ذهبت المحاكم السعودية أخيرا إلى القول بجواز التعويض عن الضرر المعنوي، ومن أهم هذه الأحكام ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف الإدارية في حكمها رقم 519/4 لعام 1435هـ بأن من القواعد الكبرى في الشريعة الإسلامية قاعدة: الضرر يزال، ولا يقتصر ذلك على ضرر دون غيره سواء كان حسيا أو معنويا، حيث إن تعويض الضرر المعنوي موجود في الفقه الإسلامي ولا سيما إذا كان تابعا لضرر مادي، كما أن محكمة الاستئناف الإدارية في القضية رقم 5271/2/س لعام 1436هـ قد أخذت بالمبدأ نفسه، حيث جاء في حكمها أن التعويض المعنوي هو كل أذى يصيب الإنسان في مصلحة غير مادية كالعرض والشرف والتخويف بغير حق وأن العموم في الحديث لا "ضرر ولا ضرار" لا يقتصر على الضرر المادي.