مستقبل العالم الناشئ في دعم الاقتصاد

الآن بعد استقرار القضايا الخاصة بالزعامة، خاصة في الولايات المتحدة، أصبح بوسعنا أخيرا أن نضع التوقعات الاقتصادية في إطار محدد، في ظل علمنا بمن سيحرك خيوط السياسة في الدولتين الأضخم اقتصادا على مستوى العالم، وهما الولايات المتحدة والصين.
ماذا ستفعل الدولتان إذن؟ بل لعل السؤال الأكثر أهمية هو: ماذا قد تفعل بهما القوى الاقتصادية؟
بادئ ذي بدء، ستواجه الولايات المتحدة تحديات متكررة في ظل "الهاوية المالية"، إلى أن تضغط الأسواق المالية على صناع القرار السياسي؛ لحملهم على خفض العجز بشكل أكثر راديكالية. ولكن على الرغم من هذا وما يرتبط به من إحباط فيما يتصل بالنمو، فإن العام الجديد سيكون عاما أقوى مما يتوقع كثيرون بالنسبة للاقتصاد العالمي.
خلال سبع سنوات مضت، أسهمت الصين بنحو 1.3 تريليون دولار في هيئة ناتج محلي إجمالي إضافي للعالم؛ أي ما يعادل إنشاء دولة بحجم اليونان كل 12 أسبوعا تقريبا، أو دولة بحجم إسبانيا تقريبا كل عام. كما أسهمت أربع دول مجتمعة "البرازيل وروسيا والهند والصين" بنحو 2.2 تريليون دولار في سنوات مضت أيضا؛ أي ما يعادل إنشاء دولة بحجم إيطاليا كل عام. "على الرغم من المشكلات التي تعيشها إيطاليا، فإنها لا تزال الدولة صاحبة ثامن أضخم اقتصاد على مستوى العالم، وستظل كذلك على مدى العامين المقبلين على الأقل، إلى أن تتفوق عليها روسيا والهند".
كما أسهمت اقتصادات أسواق النمو الثمانية - البرازيل وروسيا والهند والصين إلى جانب كوريا الجنوبية وإندونيسيا والمكسيك وتركيا - بنحو ثلاثة تريليونات دولار سابقا؛ أي ما يزيد على دولة بحجم المملكة المتحدة في عام واحد. والآن يعادل حجم هذه الاقتصادات مجتمعة حجم اقتصاد الولايات المتحدة تقريبا؛ حيث بلغ إجمالي ناتجها السنوي 15 إلى 16 تريليون دولار؛ أي ما يقرب من 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وما لم تتباطأ معدلات النمو في هذه البلدان بشكل حاد، فإن مساهماتها في الناتج العالمي ستسجل ارتفاعا هائلا، وسيكون النمو العالمي أكثر قوة مما قد يتصور المحللون الغربيون المنزعجون. وإذا توسعت "اقتصادات النمو الثمانية" بنحو 10 في المائة في المتوسط بالقيمة الدولارية، فإنها ستضيف 1.5 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي العام المقبل. وبالنسبة إلى العقد الذي بدأ عام 2011 افترضنا نحن في "جولدمان ساكس لإدارة الأصول"، أن الصين التي تمثل نحو نصف إجمالي ناتج دول النمو الثماني "ربما 8.3 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2012"، ستنمو بمعدل 7 إلى 8 في المائة سنويا بالقيمة الحقيقية، مع معدل تضخم في حدود 3 في المائة. وما لم تهبط قيمة الرنمينبي، فإن هذا يترجم إلى متوسط زيادة اسمية لا يقل عن 10 إلى 11 في المائة بالقيمة الدولارية.
ستسجل الصين نموا سنويا يبلغ 7 إلى 8 في المائة؛ لأن صناع القرار السياسي هناك قرروا ذلك. ففي أواخر عام 2009، وفي غضون عام واحد من حزمة التحفيز الضخمة التي أقرت في الاستجابة لأزمة الائتمان العالمية، قررت القيادة الصينية - في اعتقادي - أن النمو الحقيقي السنوي بمعدل 10 في المائة تجاوز صلاحيته. ذلك أن التفاوت في الدخول كان في ارتفاع كبير، وكانت الأضرار البيئية في تفاقم سريع، وكان التضخم سببا في إضعاف نمو الدخل الحقيقي للأسر الفقيرة. ومن بين الأسباب الرئيسة - في واقع الأمر - وراء تباطؤ الصين في الفترة، أن المسؤولين هناك أرادوا ذلك. وفي حين أنه ينبغي لنا ألا ننظر إلى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي نصت عليه الخطة الخمسية الـ12 باعتباره أمرا مفروغا منه، فإن حقيقة خفض معدل النمو في الخطة إلى 7 في المائة تعطي إشارة قوية إلى النوايا الرسمية.
واستشرافا للمستقبل، على الرغم من أهمية تغيير الزعامة في الصين، إلا أن قادة الدولة ليس لهم أن يقرروا أي شيء بذلك القدر من الحرية الذي قد نتصوره، فقد أصبحوا قادة بفضل التزامهم بالخطة المتفق عليها، والزعيم الذي قد ينحرف أكثر مما ينبغي لا يبقى في السلطة.
إن هدف النمو 7 في المائة في الصين، ورغم خضوعه لعدد من التحديات، يقوم على الحفاظ على نمو الاستهلاك الشخصي عند مستوى 8 في المائة تقريبا، "مع إدراك حقيقة مفادها بأن الصادرات والاستثمارات لن تنموا بقوتيهما نفسيهما في السابق"، الأمر الذي يسمح بالتالي لحصة الاستهلاك في الناتج المحلي الإجمالي بالارتفاع، وسيكون مزيد من التركيز على الإبداع والابتكار مصحوبا بنمو قوي للأجور الحقيقية، ومنح المهاجرين في المناطق الحضرية مزيدا من الحقوق، والتوسع في أنظمة الرعاية الصحية والتقاعد. وإذا استمر نمو الصين عام 2013 بمعدل 7 إلى 8 في المائة، فإن هذا النمو سيكون أكثر توازنا.
وبعيدا عن الصين، فإن بقية الدول في مجموعة الدول الأربعة - البرازيل وروسيا والهند - تواجه جميعها تحديات يتعين على ساستها أن يتصدوا لها لتحفيز مزيد من النمو. ولكن هناك عديد من التطورات المثيرة في أماكن أخرى، بما في ذلك إندونيسيا والفلبين وبنجلادش ونيجيريا والمكسيك؛ حيث تشكل جميعها جزءا مما أسميه "مجموعة الدول الـ 11 التالية". وتُعَد كوريا الجنوبية وتركيا؛ حيث لا يزال النمو معقولا، ولو لم يكن بقوته نفسها في دول المجموعة الأخرى، دولتين أخريين من كبار الأعضاء في هذه المجموعة.
والواقع؛ إن الدول الـ15، التي تتألف من الصين والبرازيل وروسيا والهند ومجموعة الدول الـ11 التالية، تضم أكثر من أربعة مليارات نسمة، أو ما يقرب من ثلثي سكان العالم. ومع استمرار النمو في هذه الدول، فإن حصتها في الاقتصاد العالمي ستستمر في الارتفاع وتعزيز النمو العالمي إلى مستويات ما كانت لتُحقق لولاها. وأود أن أضيف رغم ذلك أنه إذا لم تتسبب حكومة الولايات المتحدة في إحداث مشكلات، فمن المرجح أن نشهد تطورين مساعدين في القطاع الخاص: الأول يتلخص في الأدلة المتنامية التي تشير إلى تعافي قطاع الإسكان؛ والآخر يتعلق باحتمال انخفاض تكاليف استيراد الطاقة بشكل مطرد مع استمرار الإنتاج المحلي، خاصة من الغاز الطبيعي، في الارتفاع.
أما عن أوروبا، فإن عديدا من المستثمرين ما زالوا يفترضون أن اللحظة ستصل عندما يصبح بوسعنا أن نجزم بما إذا كان الاتحاد النقدي الأوروبي قد تكتب له النجاة أو الهلاك. ولكن من المؤسف القول إنه من المرجح - إلى حد كبير - أن يتم تأجيل القرارات الرئيسة أو تجنبها؛ وهذا يعني أن أوروبا ربما تواجه عاما آخر عامرا بالتحديات.
ولكن مرة أخرى، ينبغي لنمو الناتج في البرازيل وروسيا والهند والصين مجتمعة أن يعادل إنشاء دولة أخرى بحجم إيطاليا كل عام. وما لم تتدهور البيئة الأوروبية بشكل حاد، فإن المتاعب التي تعيشها أوروبا لن تكون بمنزلة القصة الرئيسة في الاقتصاد العالمي.

خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي