عراف اليمامة وعراف نجد
يحظى عراف اليمامة بشهرة كبيرة في التراث العربي، وطالما استشهد به الشعراء والأدباء قديما وحديثا، فقد استشهد به لسان الدين بن الخطيب في "الإحاطة"، وشكيب أرسلان في "الحلل"، وتقول الشاعرة عائشة التيمورية في رثاء ابنتها بعدما عانت ألم فراقها:
لو جاء عراف اليمامة يبتغي
برئي لرد الطرف وهو حسير
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي مستشهدا به في مسرحيته "مجنون ليلى":
لقد مر عراف اليمامة بالحمى
فما راعنا إلا زيارته صبحا
ويذكر جرجي زيدان أن عراف اليمامة هو أشهر العرافين على الإطلاق. ولا شك أن عراف اليمامة من الرموز التراثية العربية التي خلدت عبر القرون حتى عصرنا الحديث. فمن يكون عراف اليمامة؟
جاء في "لسان العرب" لابن منظور "ويقال للحازي عراف وللقناقن عراف وللطبيب عراف، لمعرفة كل منهم بعلمه. والعراف: الكاهن؛ قال عروة بن حزام:
فقلت لعراف اليمامة داوني
فإنك إن أبرأتني لطبيب
وفي الحديث: من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم؛ أراد بالعراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه".
وذكر المسعودي في "مروج الذهب" أن "العراف، هو دون الكاهن، فمثل الأبلق الأزدي، والأجلح الدهري، وعروة بن زيد الأزدي، ورباح بن عجلة عراف اليمامة الذي قال فيه عروة:
جعلت لعراف اليمامة حكمه
وعراف نجد إن هما شفياني
وكهند صاحب المستنير، وكان في نهاية التقدم في العرافة".
وذكر البلاذري في "أنساب الأشراف" أن عراف اليمامة هو رباح بن كحيلة، وله في اليمامة ولد. وفي "ثمار القلوب" قال الثعالبي: عراف اليمامة أحد كهان العرب المعروفين، مثل حازية جهينة، وكاهنة باهلة، ومثل شق وسطيح. فأما عراف اليمامة فهو رياح بن كحيلة".
وجاء في "تزيين الأسواق بأخبار العشاق" لداود الأنطاكي "وكان في اليمامة عراف يعني كاهنا له قرين من الجن يعرفه الأخبار ودواء بعض الأدواء، وكان يقال له رياح بن راشد وكنيته أبو كحلاء مولى لبني يشكر"، وفي الخبر أنهم أخذوا الشاعر العاشق عروة صاحب عفراء إليه، ثم أخذوه إلى عراف آخر في نجد. وفي شرحه للبيت يقول "والعراف في الأصل الكاهن واستعمله هنا على الطبيب لاتحادهما لغة".
ويأتي الدكتور جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" بتفصيل يقول فيه "ويطلق بعض علماء اللغة على الكاهن العراف، فهو عندهم مرادف للكاهن. غير أن من العلماء من يفرق بين الكلمتين، ويرى بينهما فرقا، فالكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، والعراف هو الذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، أو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله. ومنهم من يذهب إلى أن العراف من اختص بالإنباء عن الأحوال المستقبلية. أما الكاهن فهو الذي اختص بالإخبار عن الأحوال الماضية. وقد فرق بين الكاهن والعراف في حديث: من أتى عرافا أو كاهنا... وأطلق بعضهم العراف على من يدعي الغيب مطلقا وفي ضمنهم المنجم والحازي. وذكر أن العراف الكاهن أو الطبيب أو المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب. فللكلمة معان عديدة، ولا تختص بمعنى واحد. وقد ذهب المسعودي إلى أن العراف دون الكاهن. ونجد هذه النظرة عند غيره أيضا.
وخلاصة ما يفهم عن الكهانة والعرافة في روايات الإخباريين أن الكهانة هي التنبؤ بواسطة تابع. وأن العرافة تكون بالملاحظات وبالاستنتاجات وبمراقبة الأشياء لاستنتاج أمور منها، يُخبر بها السائلون على سبيل التنبؤ. وهي على ما يظهر من تلك الروايات، دون الكهانة في المنزلة، ولم يكن للعرافين اتصال ببيوت العبادة والأصنام، ولم يكن لهم رِئي أي تابع، إنما كانوا يستنبطون ما يقولونه بذكائهم وعلى القياس. فيأخذون بالمشابهة وبالارتباط بين الحوادث، ويحكمون بما سيحدث بموجب ذلك. وقد عد العبرانيون العرافة من الحيل الشيطانية كالسكر والتفاؤل، لأنها من رجس المشركين. وتشمل عندهم التنجيم والقرعة والزجر وما شاكل ذلك. وقد نهي عنها في الإسلام.
وقد اعتمد العراف على الخط، فكان يخط خطوطا، ثم يخطر إليها، ليستنبط شيئا منها، يتنبأ به للناس. ومن مشاهيرهم: حليس الخطاط الأسدي. وقد ذكر أنهم كانوا يخطون خطوطا، ثم ينظر العراف ويقول: ابنا عيان، أسرعا البيان، ثم يخبر بما يرى. وتعتمد العرافة، كما تعتمد الكهانة، على الذكاء والتفرس في الأمور والتجارب. وقد خصصها أكثر الناس في الإسلام بالتوصل إلى معرفة الأشياء المفقودة. والعراف بما عنده من الملكات والمواهب المذكورة، يقضي ويتنبأ للناس فيما يراه، ومن أشهر العرافين في الجاهلية: عراف اليمامة، وهو رباح بن كحلة، رباج ابن عجلة، رياح بن كحلة، المذكور في الشعر، وعراف نجد وهو الأبلق الأسدي. والأجلح الزهري، وعروة بن زيد الأسدي.
وفي عراف اليمامة ورد قول الشاعر:
فقلت لعراف اليمامة داوني
فإنك إن داويتني لطبيب
والأبلق الأسدي هو عراف نجد، وفيه يقول عروة بن حزام:
جعلت لعراف اليمامة حكمه
وعراف نجد إن هما شفياني
وقد كان أهل الجاهلية يعرضون صبيانهم على العرافين لإخبارهم عن مستقبلهم. وكانت الأسواق مثل سوق عكاظ موئلا لهم. فكان العراف فيها يرى للناس صبيانهم، ويقول عنهم ما يجول بخاطره، وذلك بالتفرس في وجه الصبي، ومقارنة ذلك بما حصل عليه من تجارب في هذا الباب".
والدكتور جواد يورد الاختلاف الوارد في اسم عراف اليمامة في كتب التراث، هل هو رباح أم رياح أم رباج، وهل هو ابن كحلة أم ابن عجلة. ومرد هذا الاختلاف عندي إلى أخطاء النساخين قديما، وإلى أخطاء الطباعة لاحقا، والصواب عندي أنه رباح أو رياح، فلا تسمي العرب رباجا، والأصح أنه ابن كحلة، فجل المصادر ذكرت ذلك.