لنحم تراثنا من العابثين
جاءت إلي في الأيام الماضية ثلاثة أخبار سيئة: الأول عن طمس متعمد لمعلومات في مخطوطة، والثاني عن طمس لنقش عمره قرابة 200 عام، والثالث عن حرق لشجرة طلح معمرة. وكلها وغيرها من مثيلاتها مؤلمة ومحزنة لكل إنسان، ولا سيما المهتمين بالتراث والآثار والبيئة والحياة الفطرية.
حرق شجرة طلح معمرة
جاء الخبر المنشور كالآتي: "أثار حرق شجرة معمرة يزيد عمرها على 100 عام في محافظة القويعية غضب السعوديين، عقب إقدام مجهولين على حرقها والعبث بها. وطالب المغردون السعوديون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الجهات المختصة، بضرورة الإيقاع بالجناة ومحاسبتهم على حرق شجرة طلح معمرة. وعرض النشطاء السعوديون المهتمون بالبيئة في المملكة مقطع فيديو وقد اشتعلت النيران في أسفل جذعها؛ حيث شارفت على السقوط... تدخلت بلدية القويعية وقامت بمعالجة وضع الشجرة التي تم العبث بها في أحد أودية المحافظة، وشكر المتابعون بلدية القويعية والدفاع المدني وكل الجهات التي تدخلت بشكل سريع للمحافظة على الشجرة المعمرة وبيئة المنطقة".
وقد التقطت للشجرة أثناء حرقها وبعد محاولات إنقاذها صور عديدة توضح ما حدث. وإن العجب ليأخذ مني مأخذه من هذه الفعلة الشنيعة، لماذا حدثت، وما مصلحة من قام بها؟.
طمس مخطوطة
غرد الباحث عبدالله العسكر قائلا: "صورة من عبث وتجني أصحاب الأهواء على التراث المخطوط، الذي ارتكبه أحد العاملين في مكتبة وطنية عندما قام بطمس حاشية وتعليقات مهمة في نسب قبيلة عربية "يمين" وفي المصورة الأخرى للصفحة نفسها قبل العبث فيها "يسار" ترى من يحاسب مثل هذه الأشكال التي تخون الأمانة وتساير المغرضين في رغباتهم". وقد أورد العسكر صورتين لهذه الورقة من المخطوطة قبل الطمس وبعده.
نقش قرناس
الشيخ قرناس بن عبدالرحمن بن قرناس "ت 1262هـ" قاض وفقيه من أهل الرس في القصيم، وهو قائد مقاومة أهل الرس ضد حملة إبراهيم باشا العثمانية، وأخباره معروفة في كتب التاريخ. ومما ذكر في سيرته أنه استتر عن إبراهيم باشا بعد سقوط الدرعية، "وانحاز إلى قرية النبهانية غربي القصيم فكان يأوي إليها ليلا ويظل نهاره في غار في جبل أبان الأسود ويعرف الآن بغار قرناس. ولم يزل كذلك إلى أن سافر الباشا".
وقد اشتهر أن الشيخ قرناس نقش على جبل أبان نقشا قال فيه: "ولا (ولي) إبراهيم باشا صاحب مصر من الترك جميع نجد، وأخذ عبدالله بن سعود ملكهم وعشيرته وذريتهم. وقتل عبدالله سلطان (السلطان) محمود سلطانهم 1233". وكتب هذا النقش على الأغلب سنة 1233هـ، أو بعدها بسنوات قليلة، فعمره لا يقل عن 200 عام، ولهذا النقش قيمة أثرية وتاريخية، فإضافة إلى تاريخه الذي يزيد على القرنين، فإنه يسجل لحادثة مهمة في تاريخ البلاد السعودية، فهو يختصر ملحمة البطولة التي قام بها سكان الوطن في مقاومة المحتل العثماني، ويختصر تلك الجرائم البشعة التي قام بها هذا المحتل، ويختصر الغدر والحقد الذي عرف به هذا المحتل، ويختصر بطولة الإمام عبدالله بن سعود في المقاومة، وفداءه بنفسه من أجل حماية الناس في الدرعية.
لماذا طمس هذا النقش، ولمصلحة من، أهي حماقة ارتكبها شخص لا يفهم قيمة هذا النقش وأهميته؟ أم عمل مقصود؟. تقوم الجهات الأمنية حاليا بملاحقة مرتكب هذا الفعل البشع، وكلنا ثقة بقدراتها وبالتحقيقات التي ستبين حقيقة الأمر.
تأملت في هذه الأفعال الثلاثة السيئة وكلي ذهول، أين العقل، وأين الأخلاق مما حدث؟.
إن حماية هذا التراث وهذه الآثار والموروثات هي مسؤولية المجتمع بأسره وليست مسؤولية جهات محددة فقط، بل علينا جميعا الاهتمام بها ومعاونة الجهات المختصة في الحفاظ عليها والدفاع عنها. ولا بد أن ننشر الوعي بأهميتها وقيمتها التي لا تقدر أحيانا بثمن، ومتى ما ازداد هذا الوعي فإن الناس من تلقاء أنفسهم سيتولون حمايتها.