الزبيري شاعر اليمن بدايته مع المؤسس ونهايته بيد الحوثي
في صباح يوم الإثنين الخامس من ذي الحجة لعام 1358هـ، 15 كانون الثاني (يناير) 1940 وقف هذا الشاب أمام الملك عبدالعزيز ليلقي قصيدة مطولة نختار منها هذه الأبيات:
قلب الجزيرة في يمينك يخفقُ
وهوى العروبة في جبينك يشرقُ
ولعمر مجد المسلمين لأنت في
أنظارهم أملٌ منيرٌ شيّقُ
وهبوك أفئدة الولا ووهبتهم
مجداً تقدسه القلوب وتعشقُ
إن الجزيرة شرقها ودبورها
وشمالها حرم بوجهك مونقُ
وَحَّدتها ونفخت في أرجائها
روحا تخب بها البلاد وتعتقُ
ثم يقول:
قل لي بربك أيُّ كفٍّ عَبَّدَت
لك منهجاً ما كان قبلك يطرقُ؟
وبأي عزمٍ قمت وحدك ناهضاً
والنوم في جفن العروبة مطبقُ
جرّدت للطاغين سيفاً صارماً
فتمزقت آثارهم وتمزقوا
وقمعت عفريت الفلا فهديته
والسيف أهدى للجهول وأصدقُ
وبذاك أمّنت الحجيج وأُفهموا
أن الفريضة قربة لا مأزقُ
وهدمت كل عقيدة ممقوتة
كانت تضل بها العقول وترهقُ
ثم يختمها قائلا:
وإليك يا أسد الجزيرة خفقةٌ
من قلب صَبٍّ لم يزل بك يخفقُ
ناءت بمحملها حنايا لوعتي
وهفت إليك بها القوافي السُبّقُ
يمنيةً مكيةً نجديةً
قل ما تشاء فإنها لا تفرقُ
كانت هذه القصيدة بداية شهرة محمد بن محمود الزبيري، أبو الأحرار، وشاعر الثوار، والشاعر الأشهر في اليمن، والمناضل الذي تدور الأحاديث حتى اليوم حول مقتله، ولم يتوقف حوله الجدل.
يرى الزبيري في الملك عبدالعزيز مجدا للعرب والمسلمين، ويركز في قصيدته على توحيده السعودية، وعلى الأمن الذي ساد في عهده فأمن الحجاج، كما يركز على ما قام به الملك المؤسس من جهود دينية يتفق فيها النقل الصحيح مع العقل السليم، بعيدا عن الخرافات وانحرافات العقيدة.
هذا الشاعر اليمني المبدع يقول ما قال وهو زيدي المذهب، ولكنه العقل والإنصاف حين يحكم بعيدا عن أهواء النفوس. لقد رأى العلماء والمفكرون والشعراء في الملك عبدالعزيز الأمل الكبير في إنقاذ العرب والمسلمين من ضياعهم، فتوافدوا إليه باختلاف مذاهبهم وأعراقهم وكلهم إعجاب وثناء ورجاء وأمل. وظل هذا هو الحال حتى خرجت الطائفية البغيضة من إيران لتنشر البغض والأحقاد والكراهية.
الزبيري وأمثاله كانوا يريدون الخير للعرب والمسلمين، وهذا سبب إعجابه الكبير بالمؤسس، وهو السبب نفسه الذي دعاه للإقامة في السعودية سنة كاملة للدراسة وطلب العلم.
ترجم له الزركلي في الأعلام فقال عنه: "شاعر يماني من دعاة الثورة على الأئمة، من أهل صنعاء. نشأ يتيما وتعلم في دار العلوم بالقاهرة قبل الحرب العالمية الثانية وعاد إلى بلاده (1941) وتألفت منه ومن بعض رفاقه جماعة أرادت إصلاح الأوضاع في عهد الإمام يحيى، فسجن الجميع في جبل الأهنوم. ونظم الزبيري قصائد في مدح الإمام فعفا عنه وعنهم. وانصرف الزبيري إلى عدن، فأصدر صحيفة "صوت اليمن" داعيا إلى الثورة حتى قتل الإمام يحيى (1948) وأعلنت زعامة ابن الوزير فرجع الزبيري إلى صنعاء وجعله ابن الوزير وزيرا للمعارف. إلا أن الأمير أحمد ابن الإمام يحيى قضى على الثورة، فرحل الزبيري إلى مصر حيث وضع كتاب "الخدعة الكبرى في السياسة العربية - ط"، وكتاب "مأساة واق الواق - ط"، ثم نشر بعض شعره في ديوان سماه "ثورة الشعر - ط"، وهيأ للنشر ديوانا آخر سماه "صلاة في الجحيم"، وشارك أحمد نعمان في تأليف "يوم الجلاء - ط" وقامت في اليمن ثورة 26 أيلول (1962) فعاد وزيرا للمعارف ثم نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتوجيه والإعلام. واستقال من كل هذا واعتزل العمل، فتصدى له من قتله غيلة في الشمال الشرقي من اليمن يوم أول نيسان (1965)، ولم يعرف قاتله". وقد قال الزركلي إن قاتله لم يعرف في حينها، لكنه عُرف فيما بعد وهما اثنان، أحدهما اليوم من أنصار الحوثي. ويرى العارفون من أهل اليمن أن العقل الذي قتل الزبيري هو العقل نفسه الذي تحمله جماعة الحوثي؛ طائفيون لا يتقبلون الآخر، ويستبيحون الدماء في سبيل تحقيق أهدافهم. لقد ذهب الزبيري ضحية هذا العقل الطائفي الحقود، وكأنما كان يشعر بمصيره حين قال:
فهاك يا أمتي روحاً مدلهةً
عصرتها لخطاك الطهر قربانا
كأساً من الشعر لو تسقى الشموس بها
ترنحت ومشى التاريخ سكرانا