قطاع التجزئة وتحديات وظائف المستقبل

غني عن القول أهمية قطاع التجزئة اقتصاديا؛ فهو حلقة الوصل بين الصناعة في منتجاتها الاستهلاكية النهائية سواء كانت تلك المنتجات معمرة أو غير ذلك، وبين المستهلكين الأساسيين، كما أنه الحلقة الأولى والأهم في دورة النشاط الاقتصادي، وقدر حجم قطاع التجزئة في السعودية بنحو 375 مليار ريال، ومن المخطط أن يصل هذا القطاع عام 2030، إلى 1.2 تريليون ريال، ويبلغ إجمالي مساهمته الحالية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي أكثر من 10 في المائة، ويرتبط موضوع تحسن نمو قطاع التجزئة بمؤشرات اقتصادية أخرى من بينها القروض الاستهلاكية وقروض البطاقات الائتمانية التي أفادت تقارير منشورة بأنها وصلت إلى نحو 340 مليار ريال في الربع الثاني 2019، كما وصلت قيمة المعاملات عبر نقاط البيع إلى أكثر من 70 مليار ريال، وهذه المؤشرات تدل على اتجاهات أفضل في قدرات المستهلكين التي تصب بشكل أو بآخر في قطاع التجزئة، كما أن قطاع التجزئة يعد الموظف الأول في القطاع الخاص، وتتوافر من خلاله اليوم 25 في المائة من إجمالي القوى العاملة في السعودية. لكن رغم هذه الوعود الجيدة لهذا القطاع، فإنه يواجه تحديات كبيرة، أولها وأهمها ما بيّنه وزير العمل خلال فعاليات "قمة قادة التجزئة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، التي اختتمت في الرياض الأسبوع الماضي، عن الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي والاتجاه إلى خفض الاستهلاك، وتقديم أفضل الخدمات وأسرعها للعميل من خلال التجارة الإلكترونية عبر تطبيقات الهواتف الذكية، التي أصبحت حديث العصر. فالوظائف التي أصبح هذا القطاع بحاجة إليها والمهارات قد بدأت بالتغير، وبقدر ما يجلب هذا مزيدا من فرص العمل بقدر ما يجلب معه المتاعب بشأن حاجة أرباب العمل فيه، إلى مواكبة التغيرات وإدخال عديد من التحديثات والتقنيات في أساليب العمل، وهو ما قد يؤثر سلبا في مستويات النمو في القريب، لكن النمو السكاني الذي يغلب عليه الشباب بنسبة 66 في المائة وتنامي معدلات الاستهلاك قد يعوضان الفاقد الضروري لعمليات التطوير، كما أنه من المتوقع أن يسهم الانفتاح الكبير على السياحة في مضاعفة حجم السوق والنمو بمعدلات سريعة. وفي هذا السياق، جاء تأسيس شركة حكومية باسم "عمل المستقبل" مهمتها التنبؤ بالفرص والوظائف المستقبلية وكل ما يتعلق بالفرص الوظيفية الجديدة وأنماط العمل الجديدة، وبلغ عدد المنضمين إلى منصتها 50 ألف عامل حر في أقل من ستة أشهر، ويتوقع أن ينضم إليها أكثر من مليون عامل خلال 2030، وبالتالي يتوقع أن تكون هذه الشركة قادرة على إيجاد وظائف جديدة تعوض ما يتم فقده من الوظائف التقليدية الحالية. فالوزارة ومن خلال هذا التصريح تدرك أهمية القطاع وأيضا التحديات الأساسية التي تواجهه، خاصة في أساليب التشغيل الحالية، والوظائف المرتبطة بالمستقبل، ولهذا تطوير العمل الآن يتم من أجل معالجة الظواهر السلبية لهذه التحولات أولا بأول سواء على أرباب العمل أو الباحثين عنه، وهذا يشير بكل وضوح إلى ضرورة تطوير رأس المال البشري والمهارات والتقنيات المرتبطة به، وقطاع التجزئة بالتأكيد سيكون أحد أهم المعنيين بهذه التوجهات التطويرية التي قد تشمل تطوير مبادرات نوعية للتعليم المقترن بالتطبيق على رأس العمل؛ لتجسير الفجوة بين أصحاب الأعمال والباحثين عنها، وكذلك تطوير التشريعات اللازمة لهذه النوعية من المهارات والأنماط الجديدة في العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي