نتائج المرحلة الأولى لنظام رسوم الأراضي البيضاء
تناول أخيرا عديد من المقالات والتقارير تقييم المرحلة الأولى لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، التي تشمل الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، والواقعة ضمن النطاق الذي تحدده وزارة الإسكان، وتكاد النتيجة النهائية التي توصلت إليها تلك المقالات والتقارير المتفرقة، أنها جاءت أدنى مما كان مأمولا إلى درجة بعيدة، فأسعار الأراضي السكنية والوحدات السكنية عادت إلى الارتفاع مجددا منذ مطلع 2019، واستمرت حتى تاريخه إما في الارتفاع وإما ثباتها عند مستويات سعرية عالية جدا.
الأمر اللافت إلى أغلبية تلك الطروحات المتفرقة، أنها لم توغل ببحثها في الأعماق بالصورة اللازمة، التي تتيح لقرائها عموما وللأجهزة الحكومية المعنية بهذا الملف التنموي المهم جدا فهما دقيقا للأسباب والحلول، ولهذا لم يكن مستغربا أن توصيات بعض كتاب تلك الطروحات تمخضت عن اقتراح إلغاء تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء! وما ذلك إلا لأنه حينما خاض في بحر هذا الأمر، لم يتجاوز بقاربه الصغير حدود الشاطئ الذي كان أقرب إليه من عمق البحر، ولهذا فإن ما توصل إليه من توصية غير دقيقة في هذا الشأن، لا تعكس بأي حال من الأحوال حقيقة ما يدور في أحشاء بحر هذا الملف التنموي، كما لا يعلم لماذا لم يقترح أصحاب التوصية بإلغاء تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، بالانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة أو حتى الرابعة من النظام إن اقتضى الأمر؟!
للوصول إلى تقييم دقيق لنتائج تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في مرحلته الأولى، لا بد من التعرف بتفصيل تام على تطورات ما جرى تنفيذه طوال الفترة الماضية، منذ أول إعلان عن البدء بالتطبيق في تاريخ العاشر من رمضان 1437هـ الموافق منتصف حزيران (يونيو) 2016، أي قبل أكثر من أربعة أعوام مضت من تاريخ اليوم، التي شملت أربع مدن رئيسة (الرياض، جدة، حاضرة الدمام، مكة المكرمة)، ووصل إجمالي مساحات الأراضي البيضاء التي شملها النظام في مرحلته الأولى إلى نحو 411.5 مليون متر مربع، أي ما يمثل نحو 2.6 في المائة من إجمالي مساحات الأراضي غير المخططة في المناطق التي توجد فيها المدن الأربع الرئيسة (تبلغ مساحات تلك الأراضي غير المخططة 16.03 مليار متر مربع وفقا للكتاب الإحصائي السنوي للبلديات 1436هـ - وزارة الشؤون البلدية والقروية).
سيظهر بالتأكيد للقارئ الكريم من خلال البيانات الرسمية أعلاه، وقياسا على النسبة المحدودة لمساحات الأراضي البيضاء إلى إجمالي مساحات الأراضي غير المخططة في مناطقها، التي تم تطبيق المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء عليها، أؤكد أن الجميع سيتوصل إلى أحد أهم أسباب ضعف تأثير تطبيق النظام في مرحلته الأولى، وهي النتيجة ذاتها التي توصلت إليها أغلب الطروحات المشار إليها في بداية المقال، وهو أيضا ما توصل إليه الجميع من المهتمين بهذا الملف، ليصبح سؤالهم الأول: لماذا لم يؤد تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء إلى معالجة مشكلة تضخم أسعار الأراضي والمساكن حتى الآن؟ وليس هذا فحسب السبب الوحيد، بل لا بد من الإشارة إلى سبب جوهري غاب عن جميع الطروحات التي تقدم ذكرها في مطلع المقال، والمتعلق بضخ أكثر من 140.3 مليار ريال قروضا عقارية منذ مطلع 2019 حتى منتصف العام الجاري، شكلت أكثر من 71.3 في المائة من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني خلال الفترة نفسها، وهو القدر المرتفع من السيولة التي دفعت بكل تأكيد مستويات الأسعار نحو الارتفاع.
وبالبحث عن أهم ما أسفر عنه تطبيق المرحلة الأولى من النظام، التي دخلت دورتها الفوترية الرابعة للرياض وجدة وحاضرة الدمام، بينما لا تزال مكة المكرمة في دورتها الفوترية الثالثة، فقد أظهرت النتائج التالية، النتيجة الأولى: تطوير أراض بيضاء من جملة الأراضي المشمولة بتطبيق النظام عليها بمساحة إجمالية بلغت نحو 11.4 مليون متر مربع، أي ما نسبته 2.8 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي البيضاء المشمولة بالتطبيق (411.5 مليون متر مربع)، توزعت على النحو التالي (الرياض بنحو 5.3 مليون متر مربع، جدة بنحو 2.2 مليون متر مربع، حاضرة الدمام بنحو 3.5 مليون متر مربع، مكة المكرمة بنحو 306.4 ألف متر مربع)، ووفقا لتقديرات وزارة الإسكان يقدر عدد قطع الأراضي السكنية التي سيسفر عنها تطوير تلك الأراضي البيضاء بنحو 18.6 ألف قطعة أرض.
النتيجة الثانية: قامت وزارة الإسكان بتخصيص نحو 573.1 مليون ريال من متحصلات رسوم الأراضي البيضاء على 11 مشروعا للإسكان، توزعت حسب عديد من المدن والمحافظات (العيينة، عنيزة، الدوادمي، حائل، الرياض غرب المطار، محافظة الليث، المجمعة، العلا، محافظة الكامل، تبوك، نجران)، استهدفت بتلك المخصصات المالية استكمال تطوير البنية التحتية، وإيصال الخدمات العامة، وأتى هذا عملا بالمادة 15 التي تنص على "تحدد الوزارة أوجه الصرف على مشاريع الإسكان، وإيصال المرافق العامة إليها، وتوفير الخدمات العامة فيها".
تؤكد خلاصة النتائج التي تقدم حصرها أعلاه، حول تطبيق المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن الأربع الرئيسة خلال أكثر من أربعة أعوام، وقياسا على الموارد والدعم السخي جدا من الدولة أن بالإمكان تحقيق أكبر مما تحقق أعلاه بمسافات أوسع وأسرع، وهو الأمر الممكن تحقيقه - بتوفيق الله - ثم بالدعم اللامحدود الذي قدمته ولا تزال تقدمه الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وخلافا عما صدر من توصيات بعض الطروحات التي أشرت إليها في مطلع المقال، فالنتائج التي تحققت أعلاه يمكن تعظيمها بصورة أكبر وأفضل بالعمل على استكمال تنفيذ المراحل التالية للنظام، وتحديدا المرحلتين الثانية والثالثة خلال الفترة الراهنة، وألا يتأخر تنفيذ المرحلة الرابعة عن عام من تاريخه، وتوسيع دائرة تطبيق النظام لتشمل مدنا ومحافظات أخرى، الذي سيعود بدوره بكل تأكيد بالنفع الكبير - بمشيئة الله تعالى - على الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، كما أنه سيحفز بصورة أكبر ملاك الأراضي نحو تطوير أراضيهم، والعمل بوتيرة أسرع على استخدامها واستثمارها بصورة تنعكس إيجابا على التنمية الشاملة التي تعيشها بلادنا، عوضا عن مجرد اكتنازها والاحتفاظ بها لفترات زمنية طويلة، أصبح معلوما لدى الجميع النتائج السلبية لمثل تلك الممارسات على الاستقرار الاقتصادي عموما، وعلى أداء القطاع الخاص والمستويات المعيشية لأفراد المجتمع على وجه الخصوص، كما سيؤدي اندفاع ملاك الأراضي نحو تلك التوجهات المأمولة بالتطوير والاستخدام، إلى دعم القطاع العقاري ونشاط المطورين العقاريين، وتحريك بقية منشآت القطاع الخاص، وزيادة نمو فرص الاستثمار وفرص العمل على حد سواء، وهي بكل تأكيد الأهداف المنشودة من الأطراف كافة، التي يؤمل أن تتحقق مع تطبيق بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء.