بسبب كورونا .. تلوث الهواء تحت الإغلاق «3 من 3»

في هذه المرحلة، لا يمكن اعتبار الصلات بين جائحة فيروس كورونا وتلوث الهواء قاطعة، نظرا إلى عدم إمكانية الحصر الدقيق للإصابات أو حتى الوفيات الناجمة عن الفيروس، كما ترتبط الآثار بعوامل من قبيل قدرات الرعاية الصحية وإمكانية الوصول إليها واستعداد الفرد لزيارة المستشفى. لكن استنادا إلى معرفتنا الحالية، فمن المعقول أن نتوقع وجود صلة عامة بين تلوث الهواء وعدوى الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك، فأثناء جائحة سارس - الفيروس المسبب لمرض سارس ينتمي لعائلة الفيروس المسبب لمرض كورونا - عام 2003، تبين وجود صلة بين تلوث الهواء وزيادة الوفيات من المرض في عديد من الدراسات، التي وجدت إحداها أن مرضى سارس، الذين ينتمون لمناطق بمؤشر جودة هواء مرتفع في الصين، أكثر عرضة مرتين للوفاة نتيجة سارس، مقارنة بالمرضى الذين ينتمون لمناطق بمؤشر جودة هواء منخفض. ويعد تلوث الهواء مضاعفا خطرا يفاقم على الأرجح العواقب الصحية لجائحة فيروس كورونا. ويظل هذا مثار قلق، لأن جودة الهواء لم تتحسن بشكل موحد أثناء الجائحة.
فماذا يفعل واضعو السياسات؟
- كحد أدنى، ينبغي أن تظل البرامج الحكومية لمكافحة تلوث الهواء على مسارها، وألا تعمد الدول إلى تخفيف لوائحها التنظيمية البيئية في إطار برامج التعافي الاقتصادي.
- علاوة على ذلك، ينبغي الامتناع عن ممارسة الأنشطة التي يمكنها التسبب في زيادة قصيرة الأمد في تلوث الهواء، كحرق مخلفات المحاصيل على سبيل المثال، حيث دعت وزارة البيئة في ولاية واشنطن الأمريكية إلى فرض حظر على الحرق - تقييد أو إرجاء أي حرق غير ضروري - للمساعدة على احتواء الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. ومن المنطلق نفسه، فإن جهود الحكومة الهندية لتوفير أسطوانات غاز البترول المسال اللازم للطهي مجانا للنساء من الأسر المعيشية الفقيرة، خطوة جديرة بالثناء كإجراء تدخلي على صعيد سياسات شبكات الأمان وسياسة لاحتواء الجائحة.
- أخيرا، بما أن القرارات المتخذة الآن لتحفيز التعافي الاقتصادي ستبقي على نوع الاقتصاد الذي سيظهر لبعض الوقت مستقبلا، وبما أن الحكومات ستفتقر إلى الأموال اللازمة لاستثمارها في السلع العامة، كالهواء النظيف بسبب الديون المتراكمة عليها، هناك مبررات اقتصادية قوية لتحفيز كل من النمو وتحسين النتائج البيئية الآن. فهل هذا ممكن؟
من هنا يطرح، هل تستطيع الدول معاودة النمو على نحو أكثر نظافة، حيث تحفز التعافي الاقتصادي، لكن تحد من تلوث الهواء في الوقت نفسه؟
ماذا سيحدث بمجرد إنهاء الدول الإغلاق الاقتصادي واستئناف النشاط الاقتصادي؟ هل سيصبح الهواء من جديد أكثر تلوثا؟ أم هل يمكن للدول استخدام برامج التعافي الاقتصادي لمعاودة النمو على نحو أكثر قوة ونظافة؟ هذا اعتبار مهم لوجود مخاطر إضافية ألا يعود تلوث الهواء إلى مستوياته السابقة فحسب، بل يزداد سوءا في حال تخفيف اللوائح التنظيمية البيئية بغية تحفيز النمو. وتقدم لنا تجربة الدول، التي طبقت برامج التحفيز المالي المراعي للبيئة إبان الأزمة الاقتصادية 2008، بعض الدروس، وتشير إلى إمكانية معاودة النمو على نحو أكثر نظافة.
سنعرف أولا ما نعنيه ببرامج التحفيز المالي المراعي للبيئة. يشير التحفيز المالي المراعي للبيئة إلى السياسات والتدابير التي تساعد على تحفيز النشاط الاقتصادي على المدى القصير، وتهيئة الظروف لتوسيع الناتج على المدى الطويل، والمساعدة على تحسين النتائج البيئية على المديين القريب والبعيد. فالحوافز المقدمة للشركات للاستثمار في تقنيات الحد من تلوث الهواء - في تكنولوجيا مكافحة التلوث على سبيل المثال - لا تشكل في حد ذاتها تحفيزا ماليا مراعيا للبيئة. بل هناك حاجة أيضا إلى تدابير إضافية لتحفيز الطلب، وذلك من خلال برنامج للشراء المراعي للبيئة، حيث يحصل على السلع من الصناعات الأكثر نظافة. علاوة على ذلك، يجب أن يكون برنامج الشراء المراعي للبيئة واسع النطاق حتى يتمكن من المساعدة على خفض تكاليف الإنتاج بمرور الوقت ومساندة التوسع الاقتصادي على المدى الطويل.
في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008، طبقت الحكومة الأمريكية برنامج تحفيز مالي مراع للبيئة لإنقاذ قطاع السيارات، فأحيا القطاع وشجع بيع المركبات التي تتميز بكفاءة استخدام الطاقة. وتلقت شركات السيارات الأمريكية ما مجموعه 80 مليار دولار على هيئة قروض من برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة في 2008. كانت المساندة مشروطة، حيث كان يتعين على الشركات التوصل إلى سبل لتصنيع مركبات تتميز بكفاءة استخدام الطاقة، وتشمل كلا من المركبات الهجينة والكهربائية ضمن خطط إعادة هيكلتها. تلا ذلك في 2009 برنامج النقد مقابل المركبات المتهالكة، الذي قدم حوافز للسائقين لمبادلة سياراتهم القديمة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، والحصول على طرازات جديدة تتميز بكفاءة استهلاك الوقود، ما أدى إلى زيادة مبيعات السيارات الجديدة التي تتميز بكفاءة استخدام الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن البرنامج أوجد أو أنقذ 42 ألف وظيفة متعلقة بصناعة السيارات في النصف الثاني من 2009. إضافة إلى ذلك، أسفر البرنامج عن تحسين 61 في المائة في كفاءة استهلاك الوقود في السيارات الجديدة المشتراة مقارنة بالسيارات التي تم الاستغناء عنها، ما ترتب عليه تخفيض استخدام البنزين بنحو 72 مليون جالون سنويا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي