الاقتصاد العالمي عند مفترق الطرق«2 من 2»
رغم الزيادة الأولية المحتملة في جهود اللحاق بالركب فيما يتصل بالإنفاق الاستهلاكي في الاقتصادات المتقدمة، فمن المرجح أن يميل المستهلكون في الأمد الأبعد إلى مزيد من الادخار. في ورقة بحثية مثيرة للاهتمام مقدمة في ندوة جاكسون هول السنوية الأخيرة، يزعم جوليان كوزلوفسكي، ولورا فيلدكامب، وفينكي فينكاتيسوران أن التكاليف التراكمية طويلة الأمد التي تفرضها الجائحة على الاقتصاد الأمريكي من المرجح أن يكون حجمها أعظم من التأثيرات قصيرة الأمد، وهو ما يرجع جزئيا إلى شعور دائم ومتزايد بعدم الارتياح بين عامة الناس.
كان تحليلهم الذي ناقشته في الندوة مقنعا بشكل خاص فيما يتعلق بالمستهلكين. فكل من له والد أو جد عاش خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الـ 20 يعلم أن هذه التجربة المؤلمة أثرت في سلوكه مدى الحياة.
إضافة إلى تأثيرها المباشر في الاستثمار وتوظيف العمالة، ستفرض جائحة كوفيد - 19 تكاليف أطول أمدا على الإنتاجية. فبحلول الوقت الذي تنقضي فيه الجائحة، يكون جيل من الأطفال، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى أسر منخفضة الدخل، خسر فعليا عاما من التعليم المدرسي. الآن، يستطيع الشباب الذين يكافحون من أجل العثور على أول وظيفة لهم في سوق عمل لا تزال تحتضر أن يتوقعوا الحصول على أجور أقل في المستقبل، مقارنة بالأجور التي كانت لتتاح لهم لولا الأزمة الحالية.
لا يخلو الأمر رغم ذلك من بعض النقاط المضيئة. فرغم أن الجائحة تسببت في انهيار قيمة العقارات التجارية في عديد من المدن، فإنها قد تؤدي إلى موجة ضخمة من تشييد المباني والاستثمارات الجديدة في مناطق الضواحي، وكذا في المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم التي عانت طويلا. في عموم الأمر، بدأت الشركات التي كانت تكره السماح بالعمل عن بعد تدرك الآن أنها تستطيع أن تعمل بشكل حسن وتحصل على عديد من الفوائد. ورغم أننا لا ينبغي لنا أن نحبس أنفاسنا ترقبا لهذا، فإن الجائحة قد تحفز صناع السياسات على إيجاد طرق لتوفير التوصيل الشامل للإنترنت عريضة النطاق، ومنح الأطفال الأقل حظا فرصة أفضل كثيرا للحصول على أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
لقد أصبح الاقتصاد العالمي الآن عند مفترق طرق. وتتلخص مهمة صناع السياسات الأكثر أهمية الآن في محاولة التخفيف من شدة حالة عدم اليقين الدائمة مع الاستمرار في الوقت ذاته في توفير الإغاثة الطارئة للأفراد والقطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا. لكن حالة انعدام الأمان التي تغذيها جائحة كوفيد - 19 من المرجح أن تثقل كاهل الاقتصاد العالمي فترة طويلة بعد أن تصبح أسوأ عواقبها ذكرى من الماضي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.