لبنان والمستقبل الاقتصادي الجديد«2 من 2»
إن هذه الكارثة في الواقع ليست سوى الحلقة الأبرز والأشد في سلسلة من المصائب التي ابتلي بها لبنان على مدار العقد المنصرم وتسارعت خطاها في الأشهر الأخيرة. ويشمل ذلك التأثيرات غير المباشرة للصراع في سورية، حيث يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين في العالم قياسا إلى عدد سكانه.
وقد تفاقمت بشدة أزمة مالية واقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد حاليا، فقبيل الانفجار كان متوقعا أن يسجل الاقتصاد انكماشا نسبته أكثر من 18 في المائة عام 2020، لكن معدلات التضخم قفزت بالفعل فوق نسبة 100 في المائة بحلول منتصف العام. وفيما يتعلق بشعب لبنان، كانت جائحة فيروس كورونا كوفيد - 19، وما صاحبها من إغلاقات قد أسهمت في زيادات حادة لمعدلات الفقر والبطالة وغياب الأمن.
ولم يفعل الانفجار سوى أنه زاد الطين بلة وفاقم الأوضاع المتردية بالفعل في البلاد. بيد أن التحديات التي يواجهها لبنان ليست مسألة اقتصادية فحسب، فمؤسساته الحكومية تداعت من حيث مستويات الشفافية والخضوع للمساءلة، الأمر الذي يفضي إلى تعثر جهود الإغاثة الدولية في خضم التدهور السريع للاقتصاد في الأشهر الأخيرة. ولا تحتاج البلاد في المرحلة المقبلة إلى إعادة البناء فحسب، وإنما أيضا إلى البناء على أسس أفضل. ويجب أن يرتكز التغيير على ثلاثة مبادئ تنظيمية، وهي الشفافية والشمول والإدارة الرشيدة. ومن الضروري أن يبدأ لبنان العمل على نحو أفضل من ذي قبل وعلى نحو يعود بالنفع على جميع مواطنيه.
ومن ثم، فإن لحظة الأزمة هذه بمنزلة صيحة تنبيه تدعو إلى تغييرات عميقة في السياسات المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية على أساس أولويات الشعب اللبناني. ويشتمل التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت على وجهات نظر مختلف الفرقاء وأصحاب المصلحة من كل فئات المجتمع اللبناني، وقد ساعدت هذه المساهمات على صياغة النتائج والتحليلات والتوصيات التي تضمنها التقرير.
لقد أثبت الشعب اللبناني مرارا على مدار العقود الماضية أن باستطاعته التعافي من آثار الصراع والدمار. وبمقدوره أيضا الاستفادة من تحويلات أبنائه في المهجر في أنحاء العالم. ولذلك، فإنني على يقين أن بوسعنا مرة أخرى التعويل على حيويتهم وبراعتهم، لكن هذه المرة ليست المسألة مجرد البقاء على قيد الحياة والتعافي. وإنما هي أيضا مسألة هل ستغتنم البلاد هذه اللحظة، وتتخذ تدابير حاسمة من أجل التغيير ورسم مسار جديد للمستقبل؟.
إن مجموعة البنك الدولي تقف على أهبة الاستعداد لمساعدة لبنان على الإصلاحات التي تشجع على تعاف اقتصادي واجتماعي مستدامين، ولا سيما من أجل توسيع نطاق الشمول وتغيير مسار معدل الفقر المرتفع في البلاد. وإننا نتطلع إلى الدخول في شراكة على المستوى القطري وفي أوساط المجتمع الدولي في هذا الجهد الضروري. ومعا يمكننا تغيير مسار مستقبل لبنان.