التلوث واستخدام التقنية لجودة الهواء
يحيط بنا التلوث والضباب الدخاني والهواء غير النقي من كل جانب. وفي بعض الأحيان يكون بمقدورنا رؤية العناصر الملوثة عالقة في الهواء. ويعد التلوث مشكلة صحية عامة ضخمة، خاصة في الصين. لكن عندما نسأل عن حجم هذه المشكلة لا نجد إجابة دقيقة إلى الآن على الأقل. ويلوح في الأفق حاليا اختراعان جديدان مدهشان قد يغيران ذلك.
تعد الصين أكبر دولة مصدرة لغازات الدفيئة في العالم. وفي عام 2014 تجاوزت الصين المعيار الوطني للتلوث الذي اقترحته منظمة الصحة العالمية. وليس من السهل دائما الوقوف على تصنيفات دقيقة لمستويات التلوث من خلال الأساليب القياسية. لكن ظهر إلى النور مرقاب التلوث، وهو عبارة عن جهاز صغير يعمل بالطاقة الذاتية يقوم بمراقبة جودة الهواء، ويمكن وضعه على السيارات لجمع البيانات حول تلوث الهواء في كل مكان يوجد به.
وصمم مرقاب التلوث بما يضمن الشفافية الكاملة للبيانات، حيث يمكن لأي شخص استخدام تطبيق هاتف ذكي مخصص للوصول إلى البيانات التي يجمعها الجهاز. ويمكن بعد ذلك استخدام تلك البيانات للتحقق من مستويات التلوث في الموقع الحالي، أو استخدام التطبيق لمعرفة بيانات حول مكان سيتم الانتقال إليه.
أما الاختراع الثاني الذي يمكن بواسطته الوقوف على مستوى تلوث الهواء، فهو جهاز ظل الضباب الدخاني، الذي يجعل من السهل رؤية مدى تلوث الهواء المحيط بالضبط بالعين. ويتميز الجهاز بتصميم دائري أملس، ويمكنه إظهار جودة الهواء في الوقت الفعلي باستخدام الظل، حيث تشير درجة لون الظل إلى مقدار التلوث في الهواء، بمعنى أنه كلما كان الظل أغمق كان الهواء أكثر تلوثا. ويمكن الوصول إلى بيانات الجهاز عبر تطبيق هاتف ذكي مخصص أيضا، ويتيح هذا التطبيق للمستخدمين عرض مستوى التلوث العام في المدينة، أو مستويات التلوث في مواقع محددة في جميع أنحاء المدينة.
وقد صمم كلا الاختراعين هواتشين شين. وتحدث شين عن التطبيقين الخاصين بالجهازين قائلا: "يحق للجميع الوقوف على مستوى جودة الهواء الحقيقية المحيطة بهم، وبناء على مثل هذه البيانات يمكنهم أن يقرروا ما إذا كانوا بحاجة إلى الاستمرار في المكان الذي يعيشون فيه حاليا أو الخروج منه. ويمكن للمسؤولين في المدن أيضا استخدام هذه البيانات كدليل لاكتشاف التلوث في الوقت الفعلي، أو تتبع الانبعاثات غير القانونية أثناء الليل".
قدرت إحدى الدراسات المنشورة أن 1.24 مليون حالة وفاة في الصين عام 2017 نتجت عن تلوث الهواء، ما يعني أن تلوث الهواء يمثل خطرا كبيرا على الصحة العامة، ومن ثم تتبين دواعي أهمية المراقبة الدقيقة لمستويات التلوث. والمأمول أن يكون لإتاحة بيانات التلوث للجميع تأثير آخر، لأن هذا الأمر يظهر للناس حقيقة التلوث وحجمه وأثره. ودائما ما يكون من الصعب تجاهل البيانات الرقمية والإحصاءات الدقيقة. ويأمل شين أن تشجع بيانات التلوث في الوقت الفعلي الناس على تغيير عاداتهم اليومية، وتساعد على العمل على تقليل مستويات التلوث.
وفي سياق متصل تبذل جهود مماثلة في الهند، حيث إنه وفقا لمنظمة الصحة العالمية تعد جودة الهواء في العاصمة الهندية دلهي من بين الأسوأ في العالم، وهي خامس سبب رئيس للوفاة في الهند. وفي محاولة لمحاربة هذا القاتل الصامت، تطوعت شركة هندسية هندية بتنفيذ مشروع خيري لتصميم نظام لتنقية وتنظيف هواء المدينة خدمة لجميع المقيمين في دلهي. وقد تم تطوير أجهزة تنقية الهواء في هذا النظام باستخدام مبادئ الديناميكا الهوائية، وتعتمد الأجهزة على استخدام هيكل منحن، وتوظيف فروق ضغط الهواء لامتصاص الهواء الملوث وإخراج هواء بارد ونظيف.
وتتصدر دلهي عناوين الصحف عاما بعد عام بسبب الضباب الدخاني الكثيف الخانق، الذي يغطى المدينة والمناطق المجاورة لها. ومع ارتفاع مستويات الجسيمات المعلقة الدقيقة التي يبلغ نصف قطرها 2.5 ميكرومتر إلى مستويات عالية خطيرة، سعت الشركة إلى إيجاد حل يمكن أن يصل إلى الجميع.
والنظام الذي تقترحه الشركة هو عبارة عن سلسلة من الأبراج العملاقة لتنقية الهواء تعلوها أحواض زراعة تروى بنظام الري بالتنقيط. ويضم كل برج حجرتين رئيستين، واحدة لزيادة السرعة النسبية للهواء والأخرى لتنقية الهواء الملوث قبل ضخه إلى الخارج بسرعات عالية وعند درجات حرارة منخفضة، لإحداث فرق ضغط يجذب بعد ذلك الهواء الدافئ والملوث نحو البرج. وحسب تقديرات الشركة، فإن كل برج في النظام يبلغ ارتفاعه 18 مترا يمكنه تنظيف 30 مليون متر مكعب من الهواء يوميا بمعدل 1115000 متر مكعب من الهواء في الساعة تقريبا.
ولا تشكل هذه الأبراج سوى الجزء الأول من اقتراح الشركة فقط. وستبدأ خطة التنفيذ التي اعتمدتها الشركة بتركيب حلقة من الأبراج، التي يبلغ ارتفاعها 60 مترا حول حدود المدينة لوقف تدفق التلوث الخارجي، على أن يتم بعد ذلك تركيب الأبراج الأصغر التي يبلغ ارتفاع كل واحد منها 18 مترا ويبلغ مداه كيلومترا مربعا واحدا في النقاط الساخنة المختارة لتكوين شبكة من الأبراج تضمن نظافة الهواء داخل المدينة. وأخيرا يستكمل نظام تنقية الهواء بأجهزة خفيفة يمكن ربطها بأسطح السيارات، إضافة إلى شبكة من الطائرات دون طيار تجوب جميع أنحاء المدينة لتراقب مستويات تلوث الهواء. وإذا كانت الخطوة الأولى لتحسين جودة الهواء هي زيادة الوعي بمدى سوء جودة الهواء في الواقع، فإن أجهزة مثل هذه ستساعد على تغيير العالم في هذا الوقت الحرج.