البلدان الفقيرة وأضرار جائحة كورونا «2 من 2»
من الاعتبارات المهمة التي يتعين وضعها في الحسبان في مسار تحقيق الهدف المشترك والملح بشأن الوصول إلى مرحلة التعافي القادر على الصمود، مثل أن هناك أزمة غذائية تلوح في الأفق وتتطلب منا إيلاء اهتمام فوري بها. توقع برنامج الأغذية العالمي أن تدفع جائحة كورونا 96 مليون شخص في الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية إلى شفير انعدام الأمن الغذائي الحاد بنهاية عام 2020. وتتركز المناطق الأكثر عرضة لمخاطر انعدام الأمن الغذائي على مدار الـ 12 شهرا المقبلة في أفغانستان وبوركينا فاسو والكونغو وإثيوبيا وهايتي والنيجر ونيجيريا والصومال وجنوب السودان والسودان واليمن وزمبابوي. ولهذه الأرقام آثار أيضا في تنمية رأس المال البشري ونواتج التغذية في أفقر دول العالم في الأعوام المقبلة.
فمن الحلول قيد التطبيق، قدمت المؤسسة الدولية للتنمية 5.3 مليار دولار في شكل ارتباطات جديدة بخصوص الأمن الغذائي حتى نهاية آذار (مارس) 2021. ويمكن للمؤسسة أن تلعب دورا أكبر بكثير حال توافرت مبالغ أكبر من موارد إضافية. وتتضمن إجراءات الاستجابة للوفاء باحتياجات الأمن الغذائي الفورية، التوسع في برامج شبكة الأمان الاجتماعي، والمحافظة على إنتاج المواد الغذائية وتوفيرها، وتوزيع الأغذية وتحسين سبل الوصول إليها، وحماية الوظائف وسبل كسب الرزق، ودعم الصناعات الزراعية وأصحاب المشاريع الصغيرة.
وحول تفاقم حجم التحديات أمام الدول المعرضة لارتفاع خطر المديونية الخارجية، كان عام 2020 من الأعوام التي تطلبت زيادة هوامش الأمان الوقائي في المالية العامة وحزم تحفيز مالية لمواجهة الجائحة. لكن الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، شهدت خلال هذا العام زيادة كبيرة في عجز ماليتها العامة الأولي. وعندما تعني زيادة مواطن الانكشاف لمخاطر الدين أيضا زيادة في خطر خفض التصنيف الائتماني للبلد بسبب حالة المديونية الحرجة، فإن المنح المستدامة لهذه الدول تصبح حاسمة الأهمية.
ومن الحلول قيد التطبيق، أن تساعد المؤسسة الدولية للتنمية على تقديم مستويات عالية من صافي التدفقات المالية الإيجابية إلى أشد دول العالم فقرا وأكثرها هشاشة وإلى شعوب هذه الدول. وقد عمل البنك وصندوق النقد الدوليان مع دول مجموعة العشرين لإنشاء مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين التي تساعد الدول على تركيز مواردها على حماية أرواح وسبل كسب رزق الملايين من أكثر الناس احتياجا. ومنذ بدء سريان العمل بها في أيار (مايو) 2020، قدمت المبادرة الدعم لتخفيف أعباء ديون قيمتها خمسة مليارات دولار إلى أكثر من 40 بلدا من الدول المؤهلة، وكلها دول مؤهلة للاقتراض من المؤسسة باستثناء بلد واحد. علاوة على ذلك، تعمل سياسة تمويل التنمية المستدامة الخاصة بنا على تحفيز الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية على اعتماد سبل تمويل تتسم بالشفافية والاستدامة.
وبشأن جائحة كورونا، تخفض النمو في الدول الصغيرة بنسبة وصلت إلى 24 في المائة. ويمكن أن تفسر مجموعة متنوعة من العوامل التأثير المدمر المسجل في الدول الصغيرة، بما في ذلك الانخفاض في الإيرادات الضريبية والتحويلات، والكوارث الطبيعية التي تضاعف آثار الجائحة، وانهيار قطاع السياحة. على سبيل المثال، في اقتصادات الدول الجزرية، التي تعتمد في دخلها على السياحة في المقام الأول، مثل سانت لوسيا والمالديف، ينكمش الناتج الكلي 17 و19 في المائة على التوالي. وفي الوقت ذاته، تواجه المناطق ذات الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات مزيدا من التحديات، مع وجود مخاطر امتدادها عبر الحدود. وما لم يتحرك المجتمع الدولي في أسرع وقت ممكن، يتوقع أن تدفع الأزمة الحالية - في حقيقة الأمر - 17 إلى 26 مليون شخص تقريبا في المناطق ذات الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات إلى السقوط في براثن الفقر المدقع في عام 2021.
ومن الحلول قيد التطبيق، أن تستمر المؤسسة الدولية للتنمية في استخدام نظام التخصيص المستند إلى الأداء الذي من شأنه أن يضمن استفادة الدول كافة من الموارد بناء على احتياجاتها ومعدلات أدائها، ونافذة التصدي للأزمات، بغرض توجيه دعم محدد للدول أثناء مرورها بأزمات كبيرة، كما كان الحال أثناء الأزمة المالية العالمية في أواخر القرن الماضي، وخلال جائحة إيبولا التي شهدها غرب إفريقيا في عامي 2014 - 2015. وبينما تعد أزمة فيروس كورونا من الأزمات الأكبر من حيث انتشارها على نطاق واسع وتعقيدها، يظل بناء آليات توسيع نطاق الدعم قائما على الخبرات المستمدة من الأزمات السابقة.
وفي نهاية المطاف، يجب أن يتمثل الهدف في تحقيق تعاف قادر على الصمود وأكثر مراعاة للبيئة وشمولا للجميع. وتعد جائحة كورونا صدمة أكثر عمقا وحدوثا بالتزامن وانتشارا من أي صدمة مشابهة في تاريخ المؤسسة الدولية للتنمية. لذلك، هناك تحد مقترن بفرصة: فالتحدي يكمن في الإصلاح السريع للأضرار التاريخية التي لحقت بمكاسب التنمية، أما الفرصة فتكمن في التكيف مع عالم يموج بالتحولات عن طريق بناء القدرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية، مثل الجوائح وتغير المناخ. ويعني ذلك ضرورة إيجاد الحلول التي تعيد أعدادا كبيرة من الناس إلى وظائفهم، وتعمل على بناء الأصول، فضلا عن تحقيق استدامة الاقتصاد الكلي والاستدامة البيئية والاجتماعية.
ومن الحلول قيد التطبيق أيضا، أن المشاريع الجارية في إطار العملية الـ 19 لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، توفر قاعدة صلبة ترتكز عليها إجراءات تحقيق مثل هذا التعافي وتوسيع نطاقه. ونحن نساعد الدول في عدة مجالات، منها - على سبيل المثال لا الحصر - إنشاء الأسواق والربط فيما بينها، وتوفير الأدوات التي تساعد على مواجهة الأزمة، وفي الوقت نفسه دعم التحول إلى مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية، ومضاعفة الجهود المعنية بتحقيق المساواة فيما بين الجنسين.
وما هذه الاعتبارات المذكورة إلا بداية لسلسلة من الإجراءات التي يقترحها هذا المقال على درب تحقيق تعاف قادر على الصمود في أشد دول العالم فقرا. ويجب أن تتضافر كل جهودنا الآن للمحافظة على المصلحة العامة لأجيال المستقبل.