صيف الكارثة الصحية والاقتصاد العالمي «2 من 2»
لمواصلة الحديث عن الكارثة الصحية وعلاقتها بإنتاج اللقاح ونمو مؤشرات الاقتصاد العالمي، فإن طبق ومثال بتري الثالث فهو الولايات المتحدة. الدرس المستفاد هنا ليس أن حكومة تفتقر إلى الكفاءة يمكنها أن تحقق عن طريق المصادفة مناعة القطيع، لأن قوة صناعة التكنولوجيا الحيوية في الشمال العالمي تقف من ورائها. ولن نجد دروسا نستخلصها حول فيروس متطور يتغلب على كل تدابير قمع العدوى. الدرس الحقيقي المستفاد من الولايات المتحدة هو أنها تنتمي إلى فصيل منفرد بذاته. فقد توفي هناك أكثر من 600 ألف شخص بسبب كوفيد - 19، ويبدو أن هذا الرقم مهيأ للارتفاع بنحو 100 ألف أخرى في الأشهر المقبلة.
في الوقت ذاته، تتلخص الرسالة التي تطلقها قناة فوكس نيوز وأغلب المنافذ الإعلامية اليمينية الأخرى في التالي:
"أدار الرئيس السابق دونالد ترمب عملية مشروع Warp Speed التي حققت نجاحا هائلا، واجترحت معجزات في مجال التكنولوجيا الحيوية وصنعت لقاحا شديد الفاعلية ضد مرض يشبه الإنفلونزا تماما. لكن اللقاحات غير مختبرة وغير آمنة. وما كان ينبغي لنا أن نرتدي القناعات أبدا. وزعم أن الفيروس سلاح بيولوجي صيني ممول بواسطة دكتور أنتوني فاوتشي، الذي دأب على تقديم نصائح مضللة لترمب حول هذه الخدعة العملاقة. وتمارس المؤسسة الطبية قمع المعلومات حول الأدوية المفيدة حقا مثل إيفيرمكتين، وهيدروكسي كلوروكين، وبيروكسيد الهيدروجين".
إذا كانت هذه السلطة التآمرية تبدو مجنونة، فما بالكم بحقيقة مرعبة مفادها أن نحو ربع سكان أمريكا يصدقون هذا الهراء أو على الأقل جزءا منه؟ ويعتقد خمس الأمريكيين أن حكومة الولايات المتحدة تستخدم لقاحات كوفيد - 19 لزرع رقائق دقيقة في أجسادهم. لقد وجد عشرات الملايين من الأمريكيين سببا كافيا لتعريض أنفسهم لخطر الموت بنسبة 1 في المائة برفضهم تناول لقاح شديد الفاعلية وآمن للغاية ومتوافر على نطاق واسع.
لنتأمل هنا العواقب المترتبة على عملية غسل المخ الناجحة هذه. إن الدولة حيث تتمكن وسائل الإعلام أو الناشطون السياسيون من إحداث مثل هذه الانقسامات النفسية العميقة في جزء كبير من السكان تصبح شديدة التعرض لمجموعة واسعة من التهديدات. ماذا قد يصدق الأمريكيون من هراء بعد ذلك؟ حتى لو كانت الدافع وراء جهود الاختراق السيكولوجي الجماعي التالي مجرد الرغبة في بيع مزيد من الإعلانات، فما حجم الدمار الاجتماعي الذي قد تخلفه؟.
المحصلة النهائية اليوم هي ذاتها كما كانت قبل عام، عندما اقترحت تجارب المرحلة الثالثة لأول مرة أن لقاحات الـ mRNA ضد كوفيد - 19 حققت نجاحا هائلا. تتمثل الخطوة التالية الواضحة في تجاوز البيروقراطية وفتح صنابير الأموال لتعبئة القدر اللازم من الموارد لتوصيل لقاحات عالية الجودة إلى كل ذراع في العالم بأسرع وقت ممكن. وبوسعنا أن نتدبر قضايا الموافقات التمويلية والتنظيمية في وقت لاحق. لقد مر عام كامل منذ قدم لنا عباقرة التكنولوجيا الحيوية الأدوات التي نحتاج إليها للتغلب على الفيروس. فلماذا إذن لا نزال في الموقف الذي نحن عليه الآن؟.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.